محمد الكيلاني أمين عام الحزب الاشتراكي اليساري. ناضل لما يزيد عن أربعة عقود ودخل في عديد الأحزاب والجبهات والتحالفات ضمن اليسار التونسي كان اخرها القطب الديمقراطي الحداثي في انتخابات المجلس التأسيسي. وفي كل مرة يكتشف أن الصيغ المقترحة دون ما تتطلبه الاستجابة للظرف .التقه موقع “اليوم” وكان الحوار حول ملابسات الانتخابات وما تلاها.
1ـ لوعدنا إلى شهر فيفري أذكر أنكم عارضتم فكرة المجلس التأسيسي بالدعوة إلى مجلس للحوار الوطني، لكنكم لم تعارضوا دعوة السيد الباجي قايد السبسي لانتخابه في 24 جويلية 2011 بل أصبحتم من أشد المدافعين عن هذا الموعد فهل لكم أن تفسروا لنا هذه التقلبات؟
ج ـ أصدر الحزب الإشتراكي اليساري كراسا بتاريخ 16 فيفري 2011، تحت عنوان: من أجل مجلس وطني للحوار حول انتقال الجمهورية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، كنا عارضنا فيه “مجلس حماية الثورة” فاعتبرناه هيئة أعلنت عن ذاتها بذاتها “حامية للثورة” ومنحت نفسها صلاحيات تشريعية وتنفيذية تسمح لها بأن تكون سلطة موازية للسلطة الانتقالية وعارضنا أيضا الدعوة “لمجلس تأسيسي مباشرة”، لأن الدعوة لانتخاب المجلس التأسيسي مباشرة سوف يجعل الشعب التونسي يصوت في إطار الأفكار السائدة لديه خصوصا بعد سنوات الإرتداد الإجتماعي التي شهدتها تونس منذ مطلع التسعينات.
لذلك طالبنا بالدعوة لتكوين مجلس وطني للحوار حول نمط المجتمع والحكم ونمط التنمية وتمكين الشعب التونسي من المشاركة في هذا الحوار حتى نتجاوز معيقات ومخلفات الإستبداد والدكتاتورية، وأخطرها تهميش الشعب عن العناية بالشأن العام، واقترحنا أن نترك لأنفسنا الخيار بين الطريقة الفرنسية، المجلس التأسيسي، وبين الطريقة الأمريكية، المؤتمر الدستوري، وبين أن نقترح طريقا ثالثة. لكن الظروف شاءت بألا يسمع كلامنا وسارت البلاد في طريق المجلس التأسيسي.
لقد فاجأنا السيد الباجي قايد السبسي، حال تعيينه وزيرا أول، بالموافقة على قيام “المجلس التأسيسي مباشرة” كأداة لمرور السلطة من شرعية قديمة تمت تصفيتها إلى شرعية جديدة بصدد التأليف، والوضع في البلاد كان هشَا بدرجة من شأنها قد تفتح على مخاطر لا تحمد عقباها، فقررنا القبول بالدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي، حتى وإن كنا اعتبرناه لا يوفر، في مثل هذه الظروف، الشروط الدنيا للإنتقال للديمقراطية، لكننا اعتبرناه عودة لشرعية تجنب البلاد الأسوأ ،
2 ـ قبلتم باللعبة الإنتخابية وشهد الجميع بأنها أول انتخابات حرة وشفافة ونزيهة تجري في تونس، فهل أنتم مع هذا الرأي؟
ج ـ الديمقراطية ليست مجرد لعبة بل هي قيم ومبادئ ونمط مجتمع ونمط حكم، اذا عدنا الى الانتخابات
في أسلوب الحملة الدعائية المتبع من قبل مختلف القوى السياسية وفي سلوكها في العملية الإنتخابية وبصورة خاصة أمام صندوق الاقتراع لاكتشفنا أننا أمام وضع لا نختلف فيه من زاوية الجوهر عن الشكل القديم الذي كانت تدار به الانتخابات ، سواء بتغيير الأسماء والمسميات(التعامل مع الانتخابات باعتبارها انتخابات سلطة/اغداق المال والوعود/استعمال المساجد وحتى الماذن للدعوة للانتخاب “للي يحبو ربي” / الى جانب التأطير اللصيق للناخب من قبل ملاحظي ورؤساء المكاتب التابعين للنهضة). لذلك فإن الشفافية والمصداقية والنزاهة التي يتحدث عنها الجميع محدودة، ولا يمكن اعتبارها كافية لإحداث قطيعة جوهرية مع الماضي. فهي ليست نظيفة بالشكل الذي يدعيه “الفائزون” ولا هي وسخة بشكل يمكن رميها في سلة المهملات.
3 ـ هل تعبَر النتائج عن إرادة الشعب الناخب؟
ج ـ بقطع النظر عن التحفظات التي لدينا حول الإنتخابات والعملية الإنتخابية فإننا نعتقد أنها تعبَر عن إرادة الناخبين الذين شاركوا فيها، رغم اختلافنا مع هذه الإرادة. ومهما كانت الصيغ التي بدت عليها فإننا نقبل بها، باعتبارها مكنت من شرعية انتقالية جديدة أتى بها صندوق الإقتراع وأخرجتنا من الشَرعية التوافقية التي لم تعد تستجيب ومتطلبات تطوَر الوضع. لكننا بالمقابل سوف نواصل صراعنا معها في المؤسسات، التي سوف تفرزها، من الداخل ومن خارجها أيضا.
4 ـ ماذا عن النتائج؟ وهل حاز الإسلاميون على الأغلبية؟ وهل انهزم اليسار فعلا وكان من أهل نسبة “صفر فاصل”؟
ج ـ لقد حصلت حركة على 649 ,1500 ألفا من عدد أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، أي بنسبة 8 ,34% وعلى 89 مقعدا في المجلس أي ما يناسب 41% من جملة المقاعد. يعني أن حركة النهضة لم تضيع أي صوت. ويمكن القول أنها قد حصلت على أعلى نسبة يمكن لها تحقيقها في ظل ظروف سياسية مناسبة للغاية لصالحها، وهي أغلبية نسبية وليست أغلبية مطلقة، (أي 50% +)1. وبالمقابل لم يحصل اليسار إلا على 200 ألف صوت ونيف، وإذا أضفنا إليها الأصوات الضائعة التي لم تنتج مقاعد في المجلس التأسيسي والتي تقدر بـ30% يمكن القول أن الناخبين الذين صوتوا لليسار يفوق عددهم الـ250 ألف مواطن، رغم الحملة الدعائية الشرسة التي قامت بها الحركة الإسلامية ضده في المساجد وفي كل مكان باستعمال الدين والتشويه الأخلاقي والكذب والعار. وهذا يعني أن لليسار جذوره متأصلة في هذه الأرض ومن الخطأ التقليل من شأنه بالقول أنه من “جماعة صفر فاصل”، فإنه إذا قدر هذا الرصيد حق قدره وراهن على المستقبل وصحح مساره السياسي وأساليب عمله وتنظيمه سوف يكون له شأن بكل تأكيد في مستقبل تونس السياسي. اليسار انهزم لكن المستقبل معه. وعليه أن يبدأ رهان التغيير بداية من الإنطلاق مباشرة في الإعداد لخوض المعارك الإنتخابية للإستحقاقات القادمة.
5 ـ أليس من الديمقراطية أن يقبل المنهزمون هزيمتهم ويتركوا الأغلبية تتولى إدارة البلاد ومعالجة المشاكل، بدل التشويش عليها؟
ج ـ إن الديمقراطية تعني في ما تعني فيما تعني أن تسفر الإنتخابات عن أغلبية تتولى شؤون الحكم وعن
أقلية معارضة تلعب دور الناقد والمراقب وفي الوقت نفسه تعمل من أجل أن تتحوَل في الإستحقاقات الموالية إلى أغلبية. وبما أننا لم نطعن في نتائج الإنتخابات التأسيسية، رغم المآخذ التي أتينا على ذكرها سالفا، فنحن لا نرى عيبا في أن تحكم الأغلبية وفي أن تعارض الأقلية. لكن الغريب هو أن أصوات العديد من زعامات التحالف الثلاثي (حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، تعالت في الآونة الأخيرة داعية الأقلية “بكل حزم” بالكف عن معارضتها وترك الأغلبية تحكم و”تعالج الأمور” بمفردها. ولم تترد عن رمي الأقلية، المتمسكة بحقها في المعارضة، بمناهضة المصالح الوطنية العليا للبلاد التي تتطلب اليوم وحدة الصف والكف عن “المشاغبة” و”التشويش”، حتى أن البعض لم يعد يقبل سماع كلمة “معارضة” والبعض الآخر يتهم المعارضة بـ”التآمر” و”دزان البلاد في حيط” من خلال “الحث على الإضرابات والإعتصامات” و”الحرقان”، والأنكى أن من خاط بالأمس شفتيه احتجاجا على نظام بن علي، هو من يكيل اليوم الإتهامات، ولنا الحق أن نتساءل عمَا عساه يفعل غدا عندما تكون السلطة بين يديه؟ ولنا الحق أيضا أن ننسج خيوط ترابط بين الماضي والحاضر عندما يلوح أمامنا تشابه بينهما، خطاب قديم يصاغ بهويات أخرى وشخوص جديدة. وكأننا بالتجمع يلبس لحية وخمارا.
6 ـ ألا تعتقد أن الأقلية هي التي تسلك سلوك الخاسر الذي لا يقبل بخسارته، لأنها تحتج وتضغط وتريد فرض دكتاتوريها على الأغلبية بطرق غير مشروعة ـ وهو سؤال صغته حسب الرأي السائد لدى خصومكم ـ؟
ج ـ نحن بكل تأكيد أمام منطق لا يقبل بوجود الرأي المخالف الناقد والرافض والمحتج. فالأقلية دائما محتجة لأنها تعتبر نفسها صاحبة شرعية تعمل على إعلائها واستردادها. وهي تروم الدفاع عن رأيها وعن حقها المشروع في إدارة الشأن العام، إذا ما كسبت الأغلبية غدا. إن المنطق الذي يرفض شرعية وجود الأقلية ويحقرها (“جماعة صفر فاصل”) هو الذي جعل الأغلبية تعتبر الأقلية المدافعة عن رأيها وعن حقها “تسلك سلوك الخاسر الذي لا يقبل بخسارته”، لأنها تريد أن تفرض عليها الصمت والاستسلام كما فعل سلفها وليست وجودا ينبغي التخلص منه. لذلك لا نحن لا نقبل بمنطق دكتاتورية الأقلية كما لا نقبل بدكتاتورية الأغلبية، نحن مع الديمقراطية فقط.
7 ـ يرى البعض أنكم تعارضون الأغلبية بشكل منهجي لأن حركة النهضة تمثل مكوَنها الأساسي، حتى أنكم لم تأخذوا بعين الإعتبار المجهودات التي بذلتها للإستجابة لمطالب المعارضة في صياغة القانون المؤقت لتنظيم السلط العمومية أي”الدستور الصغير”، فما هو ردكم على مثل هذا القول؟
ج ـ لماذا أتحدث عن حركة النهضة أكثر من حديثي عن حليفيها؟ السبب بسيط وهو أن حركة النهضة هي الطرف الغالب نسبيا وهي الطرف الغالب في التحالف الثلاثي،بحيث أن عدد نوابها يفوق عدد نواب الحليفين مجتمعين، مما يجعلها تلعب الدور القيادي ويجعل من مشروعها هو القابل للتنفيذ بدلا عن غيره، ناهيكم أن مشروعي النظام الداخلي للمجلس والتنظيم المؤقت للسلطات كانا في الصيغة التي قدمتها حركة النهضة والتي تخدم مشروعها السياسي لا أكثر ولا أقل. وزيادة على ذلك فإنني أعتبرها هي فقط صاحبة المشروع المجتمعي الذي ينضوي وراءه التحالف الثلاثي، لأن مشروع المؤتمر لا يختلف جوهريا مع النهضة كما أن مشروع التكتل “الاشتراكي الديمقراطي” الليبيرالي بإمكانه أن يتمطط حسب المصالح السياسية الخاصة لبعض زعاماته ليتماهى في النهاية مع صيغة من صيغ المشروع الأصلي لحركة النهضة. لذلك أعارض النهضة وأناقش مشروعها وأعمل على كشف حقيقته للناس، وليس لعداء مرضي لدي حيالها.
وأضيف أنني لو كنت معارضا منهجيا لحركة النهضة لما حصلت بيننا العديد من الإتفاقات في إطار عمل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي ولما حصل بيننا اتفاق على مقترح الأستاذ عياض بن عاشور، وغيرها من الإتفاقات والتفاهمات تبقى ممكنة.
8 ـ هل تعتقد أن حركة النهضة بإمكانها “تمدين” الحركة السلفية و”حزب التحرير”، كما يريدها البعض أن تفعل، أم لك رأي آخر حول الموضوع؟
ج ـ إن الأصل الفكري واحد بين حركة النهضة والحركة السلفية وحزب التحرير وحركة الدعوة والتبليغ، هو ابن تيمية والسلفية الوهابية وهي جميعا لها هدف واحد أحد هو قيام الدولة الإسلامية وإن اختلفت في المناهج والأساليب لذلك فإن الإختلاف في المناهج والأساليب، على أهميته، بإمكان حدوده أن تتغير، بحيث أن من كان يغلب أسلوب العمل السياسي اليوم كان قد وضع العنف ضمن منهج عمله السياسي وقد يعود لذلك غدا وأن من يتبنى اليوم الأساليب الراديكالية بإمكانه أن يتخلى عنها غدا. لذلك فأنا لا أؤمن بإمكانية “تمدين” أيا من الحركتين على أيدي حركة النهضة، بل ما أراه منطقيا هو تقاسم الأدوار بين مختلف مكونات الحركة الإسلامية عموما، وبتنسيق بينها مباشر أو غير مباشر، وتلعب حركة النهضة الدور المركزي في ذلك.
9 ـ التحالف الثلاثي يعد بإمكانيات مالية خليجية عريضة، فهل تعتقد في ذلك؟
ج ـ لقد توقفت عجلة الإنتاج تقريبا لمدة سنة، زيادة عما كان يعانيه الإقتصاد من صعوبات جمة جراء الإنكماش الذي فرضته عليه الأزمة العالمية والفساد المتفشي والنهب المبرح الذي يعانيه وعديد العوامل الأخرى البنيوية. ولسوء حظ السياسة أنها لم تنتبه في اللحظة المناسبة إلى أنه كان بإمكانها عدم ترك الأوضاع الإقتصادية تغرق أكثر فأكثر. نحن الآن أمام أزمة خطيرة وأن الخروج منها يتطلب حشد أهم الطاقات الوطنية وفق منهاج تنموي اجتماعي تضامني ينمي القدرات الخاصة لإنتاج الثروة وبالتالي لمعالجة المشكلات الإجتماعية وفي المقام الأول قضية التشغيل، إذ بدون قيمة مضافة لا يمكن الحديث عن تنمية، ولا يمكن الحديث عن قيمة مضافة دون استثمار. ولا نحصل على الإستثمار دون أن تتوفر الشروط المناسبة له. وليس هذا فقط بل إن هنالك رأس مال ورأس مال، واحد مرتبط بالإنتاج، أي بخلق الثروة. أما الثاني فهو يقتطع النصيب الأوفر من الثروة الإجتماعية دون أن يسهم في إنتاج الثروة مباشرة .ان جزءا من رأس المال له دور أساسي خدماتي سواء تعلق الأمر بعملية الإنتاج أو بالمنتوج أو بالإستثمار، بينما الجزء المضارب منه يعيش طفيليا وهو الجزء الغالب من الرأسمال العالمي. وإذا كان الرأسمال الأوروبي قدم لنا إلى حد الآن عديد المقترحات المتعلقة بالإنتاج، فإن البيترودولار أغلب استثماراته خدماتية وعقارية وهو فضاء المضاربة بامتياز، مما يعني أنه لا يوفر الحد الأدنى لضمان معالجة معضلة التشغيل التي تواجهنا اليوم. وبالإضافة إلى ذلك فإن الرأسمال الخليجي معروف بشروطه المجحفة ولن يعطي لأي كان هدايا تحت أي عنوان كان. ومن المغامرة أن تعمل أي سلطة على تغيير البنية الإقتصادية التونسية بين عشية وضحاها فهو ليس بحكيم وعو ليس ممكنا في الواقع ، خاصة وأن ما يناهز ثلثي المعاملات التجارية تجري مع بلدان الإتحاد الأوروبي، وأن هذا التغيير أو غيره يتطلب عقدا ونصفا أو عقدين، لأنه لا يفترض فقط تغيير الأنشطة الإقتصادية والأسواق وبالتالي نوعيَة المستهلكين الذين نتوجه لهم بل تغيير الثقافة الإنتاجية والإستهلاكية والعلاقات الإجتماعية ونمط الحياة برمته، اللهم إلا إذا قبلتم بالتضحية بالثلثين من أجل إصلاح الثلث. ولا أظن أن التونسي بإمكانه أن يقبل بمثل هذا الدمار الشامل.
10 ـ كلمة أخيرة عن الرئاسة، هل تعتقد أنه بإمكان الدكتور المرزوقي القدرة على تحملها؟
ج ـ بكل صراحة إن رئاسة البلاد ليست إدارة حزب أو مدرج فيه جمع من الطلاب أو عائلة، بل الأمر
أخطر وأكثر تعقيدا، خاصة إذا تدخلت الرغبة الذاتية المحضة في الموضوع، عندها ندخل مجالات ومتاهات أخرى، تؤول التجربة أحب صاحبها أم كره إلى مأساة. ولا أتمنى لسي المرزوقي أن يندم على ا&