تونس- افريكان مانجر
المنوال التنموي الحالي من أبرز الإشكاليات التي تُعيق تحقيق التنمية الاقتصادية في تونس، بحسب ما أكده أستاذ الاقتصاد عبد الجليل البدوي والمكلف بالدراسات في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ “افريكان مانجر” اليوم الاثنين 30 أكتوبر 2023، مُوضحا أن المنوال المعتمد يحول دون القدرة على خلق الثروة وهو أيضا يمثل عائقا كبيرا في المحافظة على الثروات التي تستنزفها البلدان الشريكة، وفق تعبيره.
تهريب “بصفة قانونية”
وقال المصدر ذاته إنّ المنتدى أنجز دراسة تحت عنوان “إشكالية تمويل الاقتصاد”، تمّ خلالها الوقوف على أنّ ” الثروة تتحول الى الخارج عبر عديد المسالك كما أنّ تفاقظ ظاهرة هجرة الكفاءات في اطار الهجرة المنظمة والشباب في اطار الهجرة غير النظامية ألحقت ضررا كبيرا بالبلاد”، متابعا أنّ “الاقتصاد التونسي أصبح يشتغل لحساب الغير”.
وتحدث البدوي عن تنامي تهريب الأموال بصفة قانونية، مُوضحا أن تفاقم الظاهرة يقع بالتوازي مع ارتفاع نسبة انفتاح الاقتصاد التونسي والمبادلات التجارية، وتبعا لذلك يولي البنك المركز التونسي أهمية لمراقبة تهريب الأموال عبر المسالك القانونية ذلك أنّ آخر المؤشرات الصادرة عن المنظمة الامريكية للشفافية المالية العمومية توصلت الى أنّ 80 % من تقديرات حجم تهريب الأموال سببها التصريحات المغلوطة من خلال التلاعب بالفواتير او التقليص من قيمة الصادرات والرفع من قيمة الواردات.
وأشار أيضا الى تهريب الأموال عبر المبادلات التجارية والتهرب من دفع المعاليم الجمروكية عبر التصاريح المغلوطة والتهريب عبر تحويلات المهاجرين التي غالبا ما ما تكون غير مصرح بقيمتها الحقيقية….
انتقادات للبنوك
ويبلغ حجم الأموال المهربة من تونس نحو 60 مليار دولار وهو ما مثل 88,1 بالمائة من الناتج المحلي الخام سنة 2010. وتسبب تهريب الأموال في نقص حاد للادخار الوطني وفي لجوء متواصل للتداين الخارجي وفي ارتفاع حدة وتعقد إشكالية التمويل التونسي.
وفي سياق متصلّ، أظهرت الدراسة أن السوق البنكي في تونس يتسم بدرجة عالية من التشتت، مما أدى الى ظهور بنوك صغيرة للغاية وغير فعالة او قادرة على تلبية احتياجات الاقتصاد من حيث تمويل الاستثمار.
كما أنّ المساهمة الحالية للجهاز البنكي في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف مناطق الدولة تتركز بشكل اكبر في المناطق الوسطى والشمالية، مما يعيق تحقيق اهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
واجمالا، فإنّ نموذج أعمال البنوك التونسية لم يحقق أهدافه ولم يُؤد الى نتائج ملموسة، بل شجع البنوك على السعي لضمان أرباحها عبر مصادر دخل ذات قيمة مضافة منخفضة ومكلفة للاقتصاد.
وخلصت الدراسة الى أنّ إشكالية التمويل تتطلب حلولا هيكلية تتمثل في بلورة بديل تنموي يسمح بتطوير قدرة النسيج الاقتصادي على تنويع مصادر الثروة والرفع من نسق انتاجها من جهة وتوفير ظروف اقتصادية ومؤسساستية ومناخ اعمال في اطار تمشي ارادي في المجال التنموي يسمح من الحدّ من تهريب الأموال ويساهم في تدعيم الادخار الوطني والاقبال على تنويع مصادره والحرص على حسن توظيفه للنهوض خاصة بالقطاعات المنتجية.
دعوة لتحسين جادبية البورصة التونسية
واوصت أيضا بضرورة الحدّ من التمويل الخارجي للاقتصاد التونسي عن طريق التداين، والى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتحسين جاذبية البورصة التونسية وذلك من خلال تشجيع الشركات الناشطة في القطاعات الاقتصادية المختلفة على فتح رأس مالها للمستثمرين حتى يقلّ تركز الشركات المدرجة في القطاع المالي مع استعجال الاستجابة للشروط الضرورية لتصنيف البورصة التونسية من بين الأسواق الصاعدة كوجود شركتين مدرجتين برأس مال يتجاوز 1,59 مليار دولار.
واقترحت ذات الدراسة تفعيل مصادر التمويل الخارجي البديلة وخاصة منها سندات الاستثمار الموجهة للجالية التونسية بالخارج والسندات ذات الأثر الاجتماعي، وسندات الاستثمار في البنية التحتية.
واوصت الدراسة بضرورة تحسين أداء المنظومة البنكية حتى تمثل القروض البنكية اكثر من 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام على غرار عديد الاقتصاديات الصاعدة.