تونس-افريكان مانجر
بلغ احتياطي تونس من العملة الصعبة بحلول 19 فيفري الجاري، 105 يوم توريد ما يُعادل 23 مليار دينار، بعد أن كان في حدود 119 يوما (25،9 مليار دينار)، وهو ما يعكس انخفاضا بـ14 يوما، بحسب ما كشفته آخر البيانات الصادرة عن البنك المركزي التونسي.
مؤشرات أثارت عديد التساؤلات، سيما و أن الحكومة لجأت مؤخرا إلى طلب تمويل مباشر من البنك المركزي لسداد ديون خارجية عاجلة، من بينها سندات دولية بقيمة 850 مليون يورو، تم سدادها بتاريخ 19فيفري 2024.
وللاستفسار حول أسباب تراجع مخزون العملة و تداعيات اللجوء إلى البنك المركزي لسداد الديون، اتصلت أفريكان مانجر بالمدير العام الأسبق للسياسات النقدية محمد سويلم، الذي أكد أن السبب الرئيسي وراء تراجع رصيد البلاد من العملة الأجنبية يعود إلى تسديد القرض الرقاعي بقيمة 850 مليون أورو، وقد انجر عنه كذلك انخفاض المخزون الجاري للخزينة بما يُناهز قيمة القرض حيث بلغ بتاريخ 19 فيفري الحالي، 1214 مليون دينار.
نقص في احتياطي العملة…ولكن
و استنادا لما أكده سويلم، فان تراجع رصيد تونس من العملة الأجنبية و انخفاض رصيد الحساب الجاري للخزينة بما يناهز قيمة القرض، قابله انخفاض الدين الخارجي و العمومي للبلاد وهو ما سينعكس إيجابيا على صورة تونس دوليا.
وأوضح في ذات السياق، أن الدين العمومي هو دين الدولة و ينقسم إلى قسمين دين بالعملة الأجنبية و دين بالعملة المحلية، وبهذا التسديد فان هيكلة الدين العمومي ستتغيّر و ستعرف انخفاضا في قائم الدين.
كما أن قيمة هذا القرض 850 مليون أورو، تُحتسب في الدين الخارجي الذي يتم سداده بالعملة الأجنبية بالتالي فان قيمة الدين الخارجي كذلك سيتراجع، مشيرا إلى أنه في حال كان بإمكان تونس الاقتراض من الأسواق المالية الدولية لتمكنت من سداد الدين دون انخفاض في رصيد العملة لكن في المقابل فان قائم الدين العمومي و الخارجي للبلاد لن يتغير باعتبارها ستقترض لسداد قرض.
وأكد أن تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني على خلق موارد جديدة بالعملة الأجنبية من خلال دفع صادرات زيت الزيتون و التمور و الفسفاط و مشتقاته إلى جانب صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية وقطاع النسيج بالإضافة إلى تواصل النسق الإيجابي للتجارة الخارجية مع تطور القطاع السياحي، سيُمكن من الترفيع في قيمة مخزون العملة الصعبة بالبلاد و الحدّ من تراجعها.
وشدد على أن الاقتصاد المتحرك والمتنوع والمنتج يجعل المخاطر محدودة و سيجعل الترفيع في مخزون العملة ممكنا، مذكرا أن تونس سددت في أكتوبر المنقضي دينا بالعملة الأجنبية بقيمة 500 مليون أورو ورغم ذلك عاد مخزون البلاد للارتفاع.
“صفعة” لمؤسسات الترقيم السيادي
ويقول المدير العام الأسبق للسياسات النقدية بالبنك المركزي محمد سويلم، “ان تراجع قائم الدين الخارجي و العمومي والمحافظة على استقرار العملة الوطنية و قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها، هو صفعة لمؤسسات الترقيم السيادي التي طالما حطت من مكانة تونس وتوقعت تخلف البلاد عن سداد ديونها و تسببت في غلق أبواب الأسواق المالية الدولية عليها”.
و شدد على ان تراجع عدد أيام التوريد لا يمُثل خطرا لا على الاقتصاد الوطني ولا على الدينار التونسي، مقرا بأن الإشكال يكمن في أن الدولة لا يجب أن تُعول مستقبلا على البنك المركزي في سداد الديون بالعملة الأجنبية، مشيرا إلى أن تونس مطالبة في أكتوبر القادم بسداد قرض بقيمة مليار دينار، إلى جانب قرض آخر في فيفري 2025 بقيمة مليار دولار أي ما يعادل 18 يوم توريد.
لذلك لابد من تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني حتى يكون قادرا على خلق الثروة و تحسين موارد العملة الأجنبية مع التخفيض في النفقات للتقليص من المخاطر الخارجية.
وعموما فان الصعوبات المالية التي تواجهها الدول تتمثل في سداد الديون بالعملة الأجنبية، و إن كان الاقتصاد قوي و له ركائز صلبة فانه سيهتز، وفق تقديره.
وخلص الى أن الاقتصاد التونسي على مدار السنوات أثبت صلابته و قدرته على امتصاص الأزمات.
وفي أحدث التصنيفات، استبعدت وكالة التصنيف التونسية « بي بي آر »، اي خطر يتصل بتخلف تونس على الوفاء بالتزامتها المالية خلال سنة 2024 على الرغم من بقاء الضغط على المالية العمومية التي تعتبر نقطة هامة تتطلب اليقظة ضمن خارطة المخاطر المهددة للاقتصاد الوطني.
وأضافت الوكالة في بلاغ الثلاثاء، حول الأفاق الاقتصادية لسنة 2024، ان عملية تسديد الديون الخارجية تعد عنصرا هاما سنة 2024 على مستوى التصرف قى المالية العمومية خاصة في ظل وجود فترتين صعبتين للسداد، تكون الأولى عند شهر فيفري والثانية خلال شهر اكتوبر 2024.
وأشارت، الى انه يمكن اتخاذ اجراءات تقييدية أكثر، خاصة على مستوى العملة الصعبة، في صورة وجود صعوبات هائلة لتعبئة الموارد الخارجية.
وتحتاج تونس خلال سنة 2024، وفق الوكالة، الى تعبئة موارد مالية لتمويل الميزانية تقارب 27 مليار دينار من بينها 16 مليار دينارعلى شكل ديون خارجية.
انعكاسات على نسب التضخم
وردا عن سؤال يتعلق بإمكانية ارتفاع نسب التضخم، اشار مُحدثنا أن التحكم في نسب التضخم يعود للبنك المركزي من خلال دوره التعديلي.
و اعتبر، ان البنك المركزي قادر على القيام بدوره التعديلي على مستوى سوق الصرف، مستبعدا أي تأثيرات سلبية في هذا الشأن، سيما و أن سوق الصرف فيه توازن و النشاط التصديري الوطني ديناميكي، وفق تعبيره.
و يشار الى أن نسبة التضخم عند الاستهلاك حافظت على منحى تنازلي وتراجعت إلى مستوى 7،8 بالمائة في جانفي 2024 مقابل 8،1 بالمائة خلال ديسمبر 2023، وفق ما أظهرته المؤشرات الخاصّة بالاستهلاك العائلي لشهر جانفي 2024 للمعهد الوطني للإحصاء.
تحديات أمام محافط البنك المركزي
وفي علاقة بالتحديات التي يطرحها الوضع الاقتصادي أمام محافظ البنك المركزي الجديد الذي استلم مهامه الجمعة المنقضي اثر انتهاء عهدة مروان العباسي، اعتبر سويلم ان أبرزها تتعلق بالمحافظة على استقرار الأسعار، فضلا عن توفير السيولة الضرورية لتمويل الاقتصاد الوطني.
كما أن قانون البنك المركزي، ينص على أن محافظ البنك يسهر على التمشي السليم لأنظمة الدفع وهو مسؤول على سلامة النظام البنكي و المحافظة على الاستقرار المالي للبلاد إلى جانب التصرف في احتياطي العملة الأجنبية و ضمان قيمتها الشرائية حتى تكون الدولة قادرة على سداد دينها الخارجي.
انخفاض نسبة الفائدة المديرية
و اعتبر سويلم، ان أهم تحدّ أمام محافظ البنك المركزي، يكمن في التوجه نحو تخفيض نسبة الفائدة المديرية.
وتوقع أن يتم عقب أول اجتماع لمجلس إدارة المركزي التونسي برئاسة المحافظ الجديد الإعلان عن التخفيض في نسبة الفائدة المديرية في صورة تواصل المنحى التنازلي لنسب التضخم، مشددا على أن هذا الإجراء سيساهم في التشجيع على الادّخار و الاستثمار.
ويُذكر أن نسبة الفائدة المديرية في تونس لم تعرف أيّ تغيير منذ ديسمبر 2022، حيث تم الترفيع فيها آن ذاك بـ75 نقطة أساس لتصل الى 8،0% .