تونس-افريكان مانجر
شهد العالم خلال سنة 2021، موجة تضخمية امتدت آثارها لتشمل العديد من الاقتصاديات المتقدمة والنامية بالإضافة إلى أسوأ ركود اقتصادي منذ تسعين عاماً جراء جائحة كوفيد-19.
واستنادا الى ما أورده صندوق النقد العربي في العدد الرابع والعشرين من سلسلة موجز سياسات بعنوان «الموجة التضخمية العالمية: المسببات والانعكاسات على الاقتصاديات العربية»، فان إقرار العديد من دول العالم لحزم التحفيز المالي لتمكين الأفراد والشركات من تجاوز التداعيات الناتجة عن الجائحة، خاصة في الاقتصاديات المتقدمة التي قامت حكوماتها بضخ التريليونات من الدولارات في الأسواق لدعم النمو الاقتصادي، تسبب في زيادة كبيرة نسبياً في مستويات الطلب العالمي على السلع والخدمات وحدوث نشاط ملموس في حركة التجارة الدولية، في الوقت الذي مازال فيه جانب العرض الكلي مقيداً نتيجة الإجراءات الاحترازية المفروضة لاحتواء الجائحة بما حال دون سلاسة استجابة جانب العـرض الكلي للزيادة المتسارعة في مستويات الطلب الكلي، وهو ما شكل في مجمله ضغطاً على الموارد الاقتصادية وبالتالي ظهور العديد من الضغوطات التضخمية التي طالت العديد من الأسواق وأدت إلى ارتفاعاتٍ لأسعار العديد من السلع، ونقص في مستويات التوريد لعدد من السلع الأساسية.
وأشار صندوق النقد العربي، الى ان حدة هذه الضغوطات تفاوتت من دولة إلى أخرى بحسب اختلاف طبيعة اقتصاد كل دولة والتطورات التي تمر بها، حيث ازدادت في بعض الدول، بما يعكس الأوضاع الاستثنائية التي شهدتها خلال عام 2021.
وبحسب ذات المصدر، فانه سيكون لهذه الموجة التضخمية انعكاساتٍ على توجهات السياسة النقدية في العديد من الاقتصاديات المتقدمة والنامية في حال ما إذا أسفرت عن ضغوطات تضخمية أكثر استمرارية، حيث ستفرض على بعض البنوك المركزية في هذه الدول العودة المبكرة لمسارات السياسة النقدية التقليدية، وهو ما قد يؤثر على فرص التعافي الكامل للاقتصاد العالمي.
كما أن هذه الموجة التضخمية سوف تنعكس بلا شك على مستويات الفقر العالمية، وسوف تدفع بالمزيد من الأشخاص على مستوى العالم تحت خط الفقر، وتزيد من صعوبة المهمة الملقاة على عاتق حكومات دول العالم لتحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة.
من حيث مسببات هذه الموجة التضخمية، أشار موجز سياسات صندوق النقد العربي إلى أن أهمها يتمثل في تسارع وتيرة الطلب العالمي في ظل حزم التحفيز التي تم إقرارها في عدد من الاقتصاديات المتقدمة.
وتأتي هذه الموجة التضخمية الحالية في الوقت الذي تعمل فيه البنوك المركزية حول العالم على دعم النمو الاقتصادي الذي لا يزال متأثراً بالتداعيات الناتجة عن جائحة كوفيد-19. من ثم، صعبت هذه الموجة التضخمية من الخيارات المتاحة أمام البنوك المركزية خاصة تلك التي تستهدف التضخم.
ففي ظل المخاوف من أن تؤدي تلك الارتفاعات المؤقتة في الأسعار إلى ضغوطات تضخمية أكثر استمرارية، قد تضطر هذه البنوك إلى تبني سياسات نقدية انكماشية في الوقت الذي لا يزال التعافي الاقتصادي معتمداً وبشكل أكبر من أي وقت مضى على التحفيز النقدي في ظل محدودية قدرة الحكومات على مواصلة دعم التعافي من خلال أدوات السياسة المالية خوفاً من تداعيات ذلك على الانضباط المالي والاستدامة المالية.
واعتبر الصندوق أن التطورات الاقتصادية المستقبلية على بعض البنوك المركزية العربية ستفرض التوجه نحو رفع مستويات الفائدة فالبنوك المركزية العربية التي تتبنى سياسة صرف الثابت سوف تتجه في ظل الرفع المحتمل للفائدة على الدولار واليورو إلى رفع مواز لأسعار الفائدة للحفاظ على سياسة سعر الصرف الثابت فيما قد تتجه بعض البنوك المركزية العربية التي تتبنى سياسة استهداف التضخم إلى رفع أسعار الفائدة المحلية في حال تحول الضغوطات التضخمية الحالية إلى ضغوط مستدامة نظرا لكون عدد من اقتصاديات الدول العربية لم يتعاف بعد من جائحة كوفيد 19 وهو ما سيتطلب من البنوك المركزية الإبقاء على تدابير السياسة النقدية غير التقليدية.
تأثيرات الموجة التضخمية على البلدان العربية
جدير بالذكر، أن تقرير صندوق النقد العربي، أكد أن اقتصاديات الدول العربية تأثرت بالموجة التضخمية العالمية خاصة خلال الثلاثي الثالث من السنة الحالية.
وفي تونس وبحسب ذات التقرير، فان المستوى العام للأسعار اتجه إلى الارتفاع منذ شهر جوان الماضي، وواصل معدل التضخم العام ارتفاعه ليسجل نحو 6،2% في الثلاثي الثالث من السنة الجارية.
وسجل التضخم في تونس ارتفاعا ملموسا في شهر سبتمبر الماضي حيث بلغ 6،2% على أساس سنوي بما يُعزى الى ارتفاع أسعار مجموعة التعليم بنسبة 6،1% وهو أمرا متوقعا خلال تلك الفترة التي تتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد و السلع الغذائية بنسبة 7،2% كنتيجة لارتفاعات ملموسة في أسعار الدواجن بنسبة 24% و الزيوت بنسبة 22%.
كما سجل التضخم الأساسي كذلك ارتفاعا الى 6% في شهر سبتمبر مقابل 5% في شهر ماي.