تونس-افريكان مانجر
يرى محللون للشأن الاقتصادي أن الحرب الروسية على أوكرانيا سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي على المدى القريب و المتوسط و البعيد من حيث أسواق الأسهم والنفط والعملات خاصة في ظل الأثر السلبي الذي تركته جائحة كورونا إلى جانب الموجة التضخمية العالمية.
ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة
وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ الاقتصاد و العضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي، فتحي النوري، أن الحرب الروسية الأوكرانية سيكون لها دون شك انعكاسات كبرى على المواد الأوليّة و الطاقية بسبب ارتفاع الطلب الذي سيشهده العالم، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار الذي سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي و تقلص نسب النمو.
وأشار النوري، في حوار مع موقع افريكان مانجر، أن منظمة أوبك تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط خلال السنة الجارية.
امدادات السوق
و في معرض حديثه، عن التخوفات من نقص إمدادات النفط، اعتبر أستاذ الاقتصاد، أن تصريحات الرئيس الأوكراني فولديمير زيلنسكي، الذي أكد أن الانضمام لحلف الناتو مستبعد حاليا و عودة انتشار وباء كورونا في الصين التي تعتبر ثاني دولة مستهلكة للطاقة ساهم في عودة الهدوء النسبي للسوق و تخفيض الطلب العالمي على الطاقة.
ولفت النوري، إلى أن نقص الإمدادات الروسية لم يؤثر على السوق العالمية، حيث وقع تداركه من طرف البلدان العربية المنتجة للنفط على غرار السعودية و الإمارات، إلى جانب إعلان إيران عن تقدم المفاوضات في الملف النووي، وهو مسألة يمكن اعتبارها ايجابية ومن بين المؤشرات التي تؤكد أنه سيتم توفير إمدادات إضافية.
واعتبر أن من بين الأسباب الأخرى التي تؤكد انه لا خوف على إمدادات الطاقة، هي تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية لوجود مخزون استراتيجي من الطاقة.
وأقر محدثنا، أن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع و لكن لا وجود لتخوفات على الإمدادات والإنتاج الطاقي موجود ومتوفر، خاصة وأن الإنتاج لم يتوقف كما حصل خلال الجائحة، وفق تقديره.
وخلص إلى أن قراءة لكل ما سبق ذكره تُبيّن أن الإشكال الحقيقي اليوم هو إشكال جيوسياسي أكثر منه أساسيات السوق المتمثلة في العرض و الطلب، مشيرا إلى أن الطلب يتأتى عادة من الانتعاشة الاقتصادية في حين ان الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على السوق النقدية و المالية وتسببت في تدحرجها و ارتفاع نسب الفائدة و نسب التضخم في فترة وجيزة، مذكرا أن الاقتصاد العالمي لم يسترجع بعد نموه بالشكل المفروض بسبب جائحة كوفيد-19.
وأضاف قائلا، « الحرب انعكاساتها ستكون ثقيلة على الأسواق العالمية وعودة النمو التي شهدناها خلال سنة 2021 لن تكون نفسها سنة 2022 و مخلفات الحرب المباشرة ستتمثل في ارتفاع الأسعار التي تؤدي إلى التضخم و تقلص الاستثمارات و تراجع نسب النمو العالمي، و لكن الانعكاسات الحقيقية لا يمكن معرفتها إلا بانتهاء الحرب”.
تأثير الحرب على تونس
وبخصوص انعكاسات الحرب على السوق التونسية، اعتبر فتحي النوري، أن الزيادة في أسعار المحروقات مفروضة على كل دول العالم، وفي تونس الترفيع سيكون بصفة تدريجية وبشكل يتماشى و كلفة التوريد.
وأكد النوري، أن الزيادة في سعر المحروقات في بلادنا تعتبر ضعيفة بالمقارنة مع الزيادات في الدول المشابهة لنا وهي لا تتبع الأسعار الحقيقية.
وأوضح، “تكلفة اللتر الواحد للبنزين في العالم يقدر بـ 3700 مي في حين أنها في تونس ثمنها 2.200 مي وأسعار النفط لا تُحددها لا القصبة و لا قصر قرطاج و لا أي منظمة من المنظمات و الزيادة مفروضة دوليا”.
وفيما يتعلق بالفارق بين السعر الحقيقي للتر الواحد من البنزين و سعر البيع في تونس، أشار إلى أن هذا الفارق يتم تسديده حاليا بطريقتين عن طريق الدعم الذي يؤثر بشكل مباشر على ميزانية الدولة، والترفيع التدريجي في السعر الذي ينعكس على كلفة الإنتاج و المقدرة الشرائية للمواطن.
الخطر الحقيقي
و أبرز النوري، أن الانعكاسات الأخرى لهذه الحرب على تونس، ستتعلق بفاتورة الطاقة التي تمثل 30% من حجم الواردات فضلا عن تداعياتها على الميزان التجاري و الميزان الجاري و العجز الجاري للطاقة، وهو ما يعتبر خطرا حقيقيّا على الاقتصاد الوطني و على البلاد.
أما على المدى القريب، فان الانعكاسات ستتسبب في مزيد ارتفاع الأسعار و ارتفاع نسب التضخم التي من المتوقع أن تصل تدريجيا إلى 7% خلال السنة الجارية نظرا إلى الاضطرابات التي تعرفها أسواقنا في ظل غياب النمو الاقتصادي والخلل الذي تشهده منظومات الإنتاج.
وفي ذات السياق، وصف فتحي النوري، المناخ السياسي في تونس بالمتعفن، معتبرا أن المشكل يتعلق بالمنظومات و ليس بالحكومات وبمراجعتها ستتجه البلاد نحو التحسن، وفق تعبيره.
وأضاف قائلا: ” نحن في حاجة الى عقل زمن العواصف”، مشددا على أن تونس اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالانطلاق الفعلي في الإصلاح الذي يُعد مفتاح الازدهار، وذلك عبر خلق الثروة ودفع النمو الاقتصادي وعودة الإنتاج.