تونس-افريكان مانجر
أثارت التسريبات الأخيرة المتعلقة بمشروع قانون المالية لسنة 2023 مخاوف عديدة لدى مختلف التونسيين من خبراء و متفاعلين اقتصاديين، وذلك نظرا لما تضمنته الوثيقة المسربة من إجراءات قد تزيد الوضع الاقتصادي تعقيدا، بحسب ما أكده خبراء محاسبين و مختصون في الجباية خلال ندوة فكرية حول مشروع القانون.
وضعيّة معقدة
و قد أقر المتدخلون خلال الندوة الفكرية التي انعقدت الخميس بمقر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، ان الظرف الاقتصادي الراهن الذي تمر به الدولة “صعب جدا” و لابد من التفكير أسرع من أي وقت مضى في حلول آنية و مستعجلة للخروج من الأزمة.
و استنادا لما بيّنه، رئيس المعهد التونسي للخبراء المحاسبين، منصف بوسنوقة زموري، فان تحقيق التوازن في ميزانية الدولة لسنة 2023، يتطلب وضع سياسة اقتصادية طويلة الأمد.
واستنكر المتحدث، عدم الأخذ بعين الاعتبار مقترحات المهنيين، مشيرا إلى ضرورة إعادة دراسة بعض الإجراءات الواردة بالمشروع خاصة تلك المتعلقة بالترفيع في الاداءات إلى جانب الإجراءات التي ستمس مباشرة من المقدرة الشرائية للفئات الضعيفة، وفق تقديره.
وقال، “كنا ننتظر تشريك المهنيين في صياغة مشروع قانون المالية…و لا نستغرب صدور هذا القانون بأمر رئاسي يوم 30 ديسمبر الجاري”.
من جهته رئيس هيئة الخبراء المحاسبين وليد بن صالح، اعتبر التعاطي الحكومي، مع مشروع قانون المالية للسنة القادمة لم يكن بالنجاعة المطلوبة، ولم يرتكز على مقاربة تشاركية، فضلا عن أن مقترحات الإصلاح الجبائي والمقدرة بـ50 إجراءا التي تم تقديمها خلال انعقاد المجلس الوطني للجباية الشهر الماضي لم يتم مناقشتها و اعتمادها رغم أنها من الممكن أن توفر مداخيل إضافية للدولة، وفق قوله.
وتابع، “اعتقد أن ما وقع تضمينه لا يندرج في إطار الإصلاح الجبائي و تحسين مناخ الأعمال و تطويره، بل يتجه نحو تحيين قانون الاستثمار”.
ولفت المتحدث إلى أن السياق العام الذي تم الإعداد فيه لمشروع القانون المذكور استثنائي.
وأكد أن الصعوبات و المخاطر المرتبطة بالوضع الحالي تكمن في انعكاسه في المستقبل القريب على الدينار التونسي و هو ما قد يتسبب في مزيد تراجعه و زيادة ارتفاع نسب التضخم و تحقيق نسب نمو ضعيفة بالتالي انعكاسه على الوضع العام و الاقتصاد الوطني و مناخ الاستثمار.
و تعليقا عن قرار صندوق النقد الدولي المتعلق بإرجاء النظر في ملف تونس، اعتبر رئيس هيئة الخبراء المحاسبين وليد بن صالح، أن هذا التأجيل زاد الوضع تعقيدا ويدل على أن الملف الذي تم تقديمه من قبل الحكومة “غير مكتمل”.
الضغط الجبائي
ويرى الحاضرون أن تونس الأولى إفريقيا في الضغط الجبائي و لابد من التحرك و تقديم التوصيات اللازمة للخروج من الأزمة في أسرع وقت ممكن.
و في هذا السياق، اعتبر رئيس مجلس المراقبة بأمان بنك راشد الفوراتي، أن المساهمة الضريبية هي واجب وطني لا يهدف لتغطية فشل التصرف الحكومي و لا بد من الحدّ من الإجراءات الجبائية و إقرار الإصلاحات الملائمة.
و ختم قائلا، “نحن اليوم نعيش حالة مُصادرة.”
بدورها، مستشارة الجباية أنيسة الدشراوي، قالت إن تونس تفتقد إلى سياسيين لكنها تزخر بالكفاءات و التقنيين و المختصيين في المجال المالي و الجبائي و الاقتصادي.
و في قراءتها لما ورد في النسخة المسّربة لمشروع قانون المالية لسنة 2023، أقرت بأن الوضع الاقتصادي العالمي “صعب” بسبب تداعيات جائحة كوفيد 19 و الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت أواخر فيفري المنقضي الى جانب التغييرات المناخية و ازمة المحروقات، إلا ان هذا الوضع هو أكثر تعقيدا في تونس لعدة اعتبارات أهمها الظرف المالي للبلاد الناتج عن الأعوام السابقة و الضغط الكبير الذي تعانية ميزانية الدولة.
و اعتبرت أن الدولة تعاني من ضغط غير مسبوق في الميزانية و ما تضمنته الوثيقة المسربة من إجراءات ليست مفاجئة باعتبار أن أولوية الحكومة الحاليّة تحسين مداخيل الدولة و تحقيق التوازنات المالية و ليس التوجه نحو الإصلاح.
وأوضحت أن السياق الذي تم فيه إعداد مشروع القانون استثنائي سيّما و أن صياغته تمت تحت رقابة صندوق النقد الدولي و الحكومة كانت مُجبرة على الأخذ بالاعتبار التزاماتها مع هذه المؤسسة المالية.
وتقول الدشراوي، ان حوالي 45 إجراءا تم إقراره في هذا المشروع من بينهم 14 اجراءا يندرج في إطار الإصلاح الجبائي تم اتخاذهم على ضوء توصيات المجلس الوطني للجباية لسنة 2014 على غرار الترفيع في الأداء على القيمة المضافة من 13 الى 19% بالنسبة للخدمات و المهن الحرة، بالإضافة إلى 11 إجراءا يندرج في إطار تحسين المداخيل الضريبية و اجراء آخر يهدف إلى مساعدة الصناديق الاجتماعية.
وترى الدشراوي، أن لجوء الحكومة إلى إقرار إجراءات ضريبية خاصة بالقطاعات الاقتصادية المهيكلة، يعود إلى إدراكها بأنها غير قادرة على استقطاب القطاع غير المنظم و الحصول على تمويلات أو مداخيل كبرى، بالإضافة إلى أنها لا تملك الوسائل الضرورية لمتابعته و مراقبته.
و اعتبرت ان حاجة الدولة للتمويلات دفعها إلى التوجه نحو توسيع القاعدة الضريبية والتقليص من المنضوين تحت النظام التقديري. في المقابل فقد اتخذت 2 إجراءات فقط لاستقطاب العاملين في القطاع الموازي على الرغم من أن هذا القطاع بحسب آخر الدراسات يمثل 40 % من النشاط الاقتصادي.
و أكدت أنه بات من الواضح أن الدولة اختارت التوجه للقطاعات التي تملك معطيات دقيقة عنها وهي لا تهتم بالقطاع الموازي بقدر اهتمامها بالحصول على الأموال من قبل المؤسسات الاقتصادية.
وتطرقت المختصة في الجباية إلى احد أهم الإجراءات التي أسالت الكثير من الحبر، والخاص بالضريبة على الثروة، حيث اعتبرت أن النص جاهز و تونس نسخته على فرنسا.
ولفتت إلى أن أن تضمين فصل خاص بالضريبة على الثروة في مشروع قانون المالية، سيطرح إشكاليات قانونية تتصل بحقوق الملكية و من الذي سيكون معني بهذا الإجراء و الجهة المُخوّل لها تحديد قيمة العقار سيّما و ان الإدارة لا تستند الى تقارير الخبراء الغير معتمدين بالمحاكم، في المقابل فان التوجه الى القضاء يتطلب وقتا طويلا.
كما وصفت الدشراوي، بعض الإجراءات بالخطيرة، خاصة المتعلقة بالتسبقة على عمليات التوريد و الترفيع غير المدروس في الجباية وهو ما سيؤثر سلبا على مناخ الاستثمار.
التوصيات
و في ختام حلقة النقاش حول مشروع قانون المالية لسنة 2023، خلص الحاضرون الى ان كل المتدخلين في الشأن الاقتصادي من مهنيين و خبراء و خبراء محاسبين، مطالبون بلفت نظر الحكومة إلى الإشكاليات التي ستنتج عن بعض الإجراءات الجبائية.
ودعا الحاضرون الحكومة إلى العمل على استقطاب القطاع الموازي عبر توفير الوسائل و الإمكانيات المادية و اللوجستية لتشديد الرقابة أو كذلك اتخاذ إجراءات مبسطة لاستقطابهم و إدماجهم في القطاع المهيكل.
و أوصى الحاضرون بالتوجه نحو مزيد اعتماد الطاقات المتجددة من خلال قوانين و تسهيلات و اتفاقيات شراكة دولية.
كما يمثل التعاون المشترك مع بلدان الجوار على غرار ليبيا و الجزائر و الانفتاح على الأسواق الاقتصادية إحدى التوصيات المقترحة.
وشددوا على أنه في مثل هذه الأوضاع الاستثنائية لا بد من حلول جريئة غير عادية أهمها إيقاف نزيف الاقتصاد الموازي و إيجاد موارد بديلة عبر تطوير إستراتيجية ضريبية عادلة و تبسيط النظام الضريبي.
وخلص المشاركون في الندوة إلى أن الضغوطات كبيرة و الوضعية الاقتصادية صعبة و متأزمة و إصلاحها يتطلب إصرارا وحسما من قبل الحكومة دون مزيد الضغط الجيائي.