تونس-أفريكان مانجر
أكّدت رئيسة مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية ليلى بحرية في تصريح لأفريكان مانجر أنّ تونس عاشت طيلة عقود تجربة سابقة خيار التنظيم الإداري المركزي- وهو التنظيم الذي تعتمده اغلب الأنظمة السياسية الاستبدادية –حيث أدى ذلك حسب تقديرها الى استبعاد المواطن من موقع القرار والى التفاوت في توزيع الثروة وغياب النمو العادل بين كل جهات البلاد وهي وضعية ادت الى تراكم الاحساس بالغبن لدى الجهات المهمشة رغم ما يتوفر لدى العديد منها من ثروات طبيعية استفادت منها جهات.
اعتماد اللامركزية في الدستور الجديد
وفي هذا الإطار، أكّدت بحريّة أنّ المجلس الوطني التأسيسي استخلص العبرة من تجربة النظام البائد عند صياغة دستور الجمهورية الثانية وذلك بالقطع مع التنظيم الاداري المركزي واعتماد اللامركزية في إطار وحدة الدولة بغاية ترسيخ الديمقراطية التشاركية وتحفيز المواطن على الاهتمام بالشأن العام وصولا الى تحقيق النمو والرفاه للجميع.
و قد تم دعم اللامركزية وفي هذا الصدد بنص الفصل 14 من الدستور في باب المبادئ العامة و الذي ينص بان ” الدولة تلتزم بدعم اللامركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة”.
كما تم تخصيص باب كامل للسلطة المحلية وهو الباب السابع والذي اقتضى الفصل131 منه على أن “تقوم السلطة المحلية على أساس اللامركزية وتتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون.
وأضافت محدّثنا أنّه يتضح من ذلك أن الدستور أحال مسألة معايير تحديد الاقليم إلى القانون وهي مسألة على غاية من الأهمية باعتبارها ستشكل نقلة نوعية بخصوص التقسيم الترابي والإداري للبلاد وفقا لمبدأ اللامركزية ويستشف مما ورد في الدستور أن الاقليم يتكون من مجموعة من الجهات، الشّيء الذي يطرح على حدّ تعبيرها السؤال حول معايير تجميع جهات بعينها في إطار إقليم واحد أي ما هي معايير تحديد الاقليم؟
معايير تحديد الاقليم غير اعتباطية
وأوضحت ليلى بحريّة أن معايير تحديد الاقليم لا يمكن أن تكون اعتباطية، مبرزة أن تجميع جهات متقاربة من حيث النمو سيزيد الجهات الفقيرة فقرا والغنية غنى وهو ما سيحول دون تحقيق الهدف من وراء هذا التقسيم الإداري الجديد بل سيعمق تهميش بعض الجهات ويزيد من حدة التوتر الاجتماعي وبالتالي فإن المقترح هو أن يضم الاقليم جهات متفاوتة من حيث النمو الاقتصادي والاجتماعي كي يحصل التكامل بينها ويحد من نسبة الاحتقان الاجتماعي.
كما بيّنت رئيسة مرصد شاهد أن القرب الجغرافي بين جهات الاقليم الواحد والكثافة السكانية لمختلف اقاليم البلاد لابد أخذها بعين الاعتبار عند تحديد الجهات التي ستنضوي في اقليم واحد وذلك لتسهيل تنقل السكان والسلع وهو ما سيستوجب تحسين البنية التحتية ووسائل النقل، مضيفة بأن مختلف أقاليم البلاد يجب ان تكون بقدر الامكان متقاربة ومتوازنة فيما بينها من حيث الكثافة السكانية وعن كيفيّة التقسيم الإداري للبلاد الى جملة من الأقاليم (عموديا أو أفقيا ).
وقالت بحريّة إنّ الجواب عن هذا السؤال يستنتج من جملة الإجابات عن الأسئلة السابقة فلو اعتمدنا على حدّ تعبيرها ما يصطلح عليه الآن من تقسيم البلاد إلى الساحل والجنوب الشرقي والجنوب الغربي والوسط والشمال الغربي سنبقى في نفس المربع أي جهات فقيرة مهمشة وأخرى استفادت على مدى نصف قرن من مشاريع التنمية وتحسين البنى التحتية وما تبع ذلك من رفاهة العيش وتبعا لذلك فلا مناص من أن يكون التقسيم على أساس أفقي وهو ما سيعطي أقاليما تضم في نفس الوقت جهات داخلية وأخرى ساحلية أي جهات متفاوتة في نسبة النمو الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى البنى التحتية والثروات الطبيعية وعلى مستوى المؤسسات الإدارية والصناعية والتربوية.
مسائل تطرح إشكالا
وفي سياق متّصل، أشارت محدّثتنا إلى أنّ هناك مسألة أخرى ستطرح إشكالا وتنافسا كبيرا بين الجهات المنضوية تحت إقليم واحد وهي اختيار عاصمة الاقليم وهذا الاختيار لا يجب أن يكون اعتباطيا ولا ان يخضع للنعرات الجهوية بل وفق الأصلح والأجدى لبلوغ الهدف من وراء التقسيم الإداري الوارد بدستور 2014، مبرزة أنّه في هذا المجال هناك من يرى أن عاصمة الاقليم يجب أن تكون هي مركز الجهة الأكثر فقرا وتهميشا وحسب اعتقادها فإن هذا الرأي وإن كان يبدو في ظاهره جميلا لأنه يستجيب لأحد مطالب الثورة وهي القضاء على التفاوت بين الجهات وعلى التهميش إلا انه وحسب رأييها يجب اختيار عاصمة الاقليم على أساس القرب من مختلف الجهات المكونة له لتسهيل التنقل والتواصل بينها ثم على أساس توفر الحدّ الأدنى من الإدارات والمؤسسات الوطنية التي ستدعم جهود التنمية لكل جهات الاقليم(التعليم – الصحة – وكالة النهوض بالصناعة – وكالة النهوض بالفلاحة …