تونس-أفريكان مانجر
يتم بدءا من الغد الأربعاء 25 ديسمبر 2013 الشروع في مناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2014 خلال جلسة عامة للمجلس الوطني التأسيسي بحضور رئيس الحكومة علي العريض.
وأثار مشروع ميزانية 2014 الكثير من الجدل خاصة في النقطة المتعلقة منه بفرض ضرائب و إتاوات جديدة فيما وجهت انتقادات لاذعة ضد وزير المالية إلياس الفخفاخ المتهم بخدمة مصالح المتهربين من دفع الضريبة والشركات متعددة الجنسيات، وفق مراقبين.
وتأتي ميزانية العام المقبل وسط تضخّم الأسعار وارتفاع الجباية وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن التونسي وتزايد الاعتماد على الديون الخارجية والتخفيض المتواصل للتصنيف الائتماني لتونس من قبل وكالات التصنيف العالميّة وانهيار الدينار التونسي، مع توقعات بتجاوز العجز العام للميزانيّة نسبة الـ 7 ٪ نهاية عام 2013، وهي كلها مؤشرات تؤكد خطورة الوضع الاقتصادي في تونس.
ويرى مراقبون أن الحكومة اعتمدت لتعبئة موارد الميزانية على حلول سهلة وترقيعيّة دون تفعيل منظومة جبائية عادلة، ودون إقرار إصلاحات على مستوى النظام الضريبي.
تقليص الدعم
وحول نصّ مشروع قانون المالية لعام 2014، أجمع جلّ الخبراء الاقتصاديين والجبائيين على أن ميزانية سنة 2014 تعتمد بالأساس على منظومتي الدعم والجباية وذلك بالتقليص في دعم المحروقات والطاقة وبالزيادة في الأداءات وفي هذا الإطار قال وجدي بن رجب الخبير في إدارة الأعمال في تصريح لـ “أفريكان مانجر” إن : ” ميزانيّة 2014 مبنيّة على التّقليص في دعم المحروقات والطّاقة وعلى الزّيادة في الجباية منها جباية على الدّخل”، مبرزا أن : ” المشكل يكمن في أن هذا الحل الوقتي من أسهل الحلول،حتّى إن تمّ اعتماده هذه السنة لا يمكن أن يعتمد سنة 2015 والسنوات التي تليها، لأن هذه العمليّة ستضاعف الأسعار وستضرّ بالطبقة الوسطى التي تمثّل 70 % من المجتمع التونسي”.
43 % من الطّبقة الوسطى مهدّدون بالانزلاق تحت عتبة الفقر
وفي ذات السياق أشار الخبير في إدارة الأعمال إلى أنّ :” القدرة الشرائية لهذه الطبقة تراجعت بشكل ملحوظ خاصّة في الفترة الأخيرة نتيجة تضخّم الأسعار وارتفاع الجباية ، ممّا قد يتسبّب في انزلاق حوالي 43 % منهم تحت عتبة الفقر إن تواصلت الوضعية الاقتصاديّة بهذا الشكل وذلك حسب آخر الدّراسات التي أجريت في هذا المجال”.
وبالنسبة للدّعم فقد أفاد وجدي بن رجب بأنّها في تضخّم متواصل منذ سنة 2010، مبينا أنّ صندوق الدّعم سيخصص ضمن ميزانيّة 2014، 33 % لدعم المنتوجات الغذائيّة الأساسيّة مقابل 58 % لدعم المحروقات والطّاقة مع الإشارة إلى أن 10 % من هذه النسبة سيتمّ توفيرها لفائدة الميزانية بقيمة تناهز 450 مليون دينار في حين سيخصص صندوق الدّعم 9 % لدعم النقل المدرسي والجامعي وذوي الاحتياجات الخصوصيّة”.
تهديد بالافلاس
وعن الحلول تحدّث نفس المصدر عن إصلاحات على مستوى الجباية والدّعم بالاقتداء بتجارب الغرب والاستفادة منها، معتبرا المنظومتين مترابطيين تتطلّبان وضع إستراتيجية واضحة وعادلة تمكّن مستحقّي الدّعم من الاستفادة منه وتلزم المتهرّبين من الضرائب بتسديد الاداءات، مشدّدا على ضرورة العمل على ترشيد الاقتصاد. من جهة أخرى أكّد وجدي بن رجب على أنّ إنقاذ الاقتصاد الوطني والخروج من الأزمة الحاليّة يبقى رهين تحديد موعد للانتخابات وإرساء خارطة طريق واضحة، وما عدى ذلك يمكن أن تبلغ تونس مرحلة الإفلاس.
مشروع قانون المالية يحصّن المتهرّبين من دفع الضريبة
أمّا لسعد الذّوّادي الخبير الجبائي وعضو الجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا فقد قال في تصريح لـ “أفريكان مانجر” : “لم يشذ مشروع قانون المالية لسنة 2014 المعد من قبل الإدارة عن سابقيه من المشاريع المفلسة خاصة خلال السنوات الأخيرة أين أصبح بإمكان الفاسدين سنّ نصوص حسب رغبات المافيات واللوبيات والاقارب”، وفق تعبيره، مبرزا أنّ “ما ورد به يدل على أن دار لقمان لم تبق على حالها بل سقطت على رؤوس من يقومون بواجبهم الجبائي دون حق في المساءلة وهذا يندرج في خانة الإرهاب الجبائي والاقتصادي مقابل تحصين المتهربين من دفع الضريبة، فلقد تم تعميق الهوّة بين من يدفعون الضريبة ومن يتهربون منها. كما تضمّن أحكاما من شانها تخريب المؤسسات البنكية والبريدية من خلال رفع السرّ المهني عنها والإبقاء عليه لدى الوسطاء بالبورصة الذين يتم استعمال البعض منهم لتبييض الجرائم الجبائية من قبل عدد هام من أصحاب المهن الحرة المعروفة بالتهرب الجبائي كالأطباء على سبيل المثال لا الحصر وكذلك الناشطين في السوق السوداء وهذه الظاهرة أصبحت خطيرة جدا”.
وعلى صعيد آخر، أشار نفس المصدر إلى أنّ ” اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية المتعلقة بالمساعدة الإدارية ومكافحة التهرب الجبائي يتنافى مع الإبقاء على السرّ المهني لدى الوسيط بالبورصة أو غيره من المهنيين، فكيف يمكن لإدارة الجباية أن تكافح جريمة تبييض الجرائم الجبائية والتهرب الجبائي إذا كان بالإمكان مواجهتها بالسرّ المهني الذي رفع داخل البلدان المتطورة والمتخلفة”.
من جهة أخرى أوضح نفس المصدر أن : “الإبقاء على السرّ المهني لدى بقيّة المتدخلين الاقتصاديين فيه منافسة غير شريفة ومن شانه المساعدة على هجرة الحرفاء للبحث عن مبيضي جرائمهم الجبائية. ثم إن المشروع لم يحدث جريمة تبييض الجرائم الجبائية ولم يسدّ الثغرات الموجودة بالفصل 101 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية الذي لم يحدّد بصفة واسعة جرائم التحيّل الجبائي، وقد قدمنا مقترحا في ذلك في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2013 إلا أن أعضاء الحزب الحاكم وبالأخص رئيس لجنة المالية تصدوا لذلك”.
الترفيع في الخصم من المورد دون مكافحة عمليّات التّهرّب الجبائي
وفي إطار ذرّ الرماد في العيون على حدّ تعبير الخبير الاقتصادي: ” تم الترفيع في الخصم من المورد بعنوان الخدمات المسداة من قبل شركات مقيمة بملاذات ضريبية والحال أن الإجراء وجب أن يكافح عمليات التهرب الجبائي ونهب ثرواتنا المنجمية والنفطية من العملة الصعبة بواسطة فواتير مضخمة أو صورية تتعلق بشراء بضائع أو خدمات أو معدات وتجهيزات صادرة عن أشخاص مقيمين بجنات ضريبية أو ببلدان خاضعين فيها للضريبة بنسبة تفاضلية واغلبها قد وقعت معها تونس اتفاقيات تفادي ازدواج ضريبي”. فالإجراء الناجع على حدّ قوله :”وجب أن ينصّ على عدم قبول الأعباء بما في ذلك الاستهلاك المبرّر بفواتير صادرة عن أشخاص مقيمين بجنات ضريبية أو ببلدان خاضعين فيها لنسبة ضريبة تفاضلية مثلما فعلت ذلك الكامرون في إطار قانون المالية لسنة 2012 خاصة وأنّه ليس لنا الخبراء القادرين على مكافحة التهرب الجبائي بواسطة أسعار التحويل، أيضا لم يتم التصدي للدخلاء في مجال المحاسبة والجباية من خلال التصدي للمقترح الداعي إلى عدم قبول الأعباء المبرّرة بفواتير صادرة عن أشخاص يباشرون أنشطة مهنية أو اقتصادية بطريقة مخالفة للتشريع الجاري به العمل مثلما فعلت ذلك الكامرون عوض الإجراء الضّحل الوارد بالمشروع والمتعلق بوجوب إلزام المؤسسة بالتنصيص على هويّة من اعدّ محاسبتها”.
وتتضح ضحالة هذا الإجراء حسب تصريحاته : ” حين نعلم أنّ وزير المالية المغرم بالحوكمة المفتوحة رفض سحب المعرفات الجبائية التي منحها للآلاف من المتحيلين بما في ذلك المتلبسين بلقب المحامي والمستشار الجبائي والمحاسب في خرق صارخ للفصل 56 من مجلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والفصل 96 من المجلة الجزائية بالنظر للخسائر الفادحة التي ألحقها بالخزينة العامة والمهنيين والعاطلين عن العمل، والملفت للنظر أن وزير المالية اعتبر هذه الجريمة تافهة، علما وأن بعض المحامين وجهوا له تنبيها بواسطة عدل منفذ بهذا الخصوص ريثما تتم مقاضاته على الأقل من اجل الفساد الإداري لدى القطب القضائي”. مضيفا أنّ : ” المشروع لم يبادر بتحوير أحكام الفصول 39 و42 و60 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية التي تكرس السمسرة والتي تسمح للحاملين لقب المستشار الجبائي والمحامي من مخربي الخزينة العامة بالتدخل في الملفات الجبائية والتي تسمح للمطالب بالأداء بالاستعانة بالمتحيلين في خرق صارخ للقوانين المهنية، كما لم يبادر المشروع أيضا بحذف لجنة إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري التي تعتبر محكمة خارج المنظومة القضائية وقضاء موازيا أو على الأقل تحوير تركيبتها لكي لا تضم إلا قضاة عوض خبيرين محاسبين وذلك تفاديا لأعمال الفساد وتضارب المصالح، علما وان وجودها يعدّ بدعة لا نجد لها مثيلا داخل البلدان المتطورة وحتى المتخلفة”.
مشروع قانون المالية يحافظ على الصناديق السوداء و”المافيوية”
من جهة أخرى بيّن لسعد الذّوّادي أنّ ” المشروع لم يبادر بتحرير المجلس الوطني للجباية وتكريس استقلاليته وتحوير تركيبته “البنفسجية” التي ما زالت تضم البعض من أعضاء لجنة البرنامج الجبائي المستقبلي لبن علي صلب التجمع الذين ساهموا أيضا في شطب الديون الجبائية والاطلاع على أسرار دافعي الضرائب في خرق لواجب التحفظ المشار اليه بالفصل 15 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية دون أن تتم محاكمتهم إلى حد الآن، حيث ولد المجلس المكلف نظريا بتقييم السياسة الجبائية وإبداء الرأي حول العدالة الجبائية مشلولا، باعتبار انه مرؤوس من قبل وزير المالية.
ويختتم الخبير الاقتصادي تقييمه لمشروع قانون الماليّة لعام 2014 معتبرا إياه : ” مشروعا ضحلا لا يستجيب للحدّ الأدنى من متطلبات المرحلة ، يتضمّن بعض الأحكام الضحلة التي من شانها إيهام العموم بان الإدارة سنت أحكاما لمكافحة التهرب الجبائي.
في الوقت الذي لم يبادر فيه المشروع بحذف الصناديق السوداء والمافيوية التي خربت القدرة الشرائية للمواطن والتنافسية للمؤسسة والتي لا يعلم دافعو الضرائب مآل ألاف المليارات التي سلبت منهم في إطارها وبالأساس الصندوق المافيوي المحدث بمقتضى الفصلين 57 و58 من قانون المالية لسنة 1975 والذي لا زال يستعمل إلى حد الآن لتمويل بعض النقابات التي كانت ركيزة من ركائز منظومة الفساد التي أرساها بن علي وقد أهدرت في إطاره مئات المليارات وهذا يصبّ رأسا في إطار الحوكمة المفتوحة التي يتحدث عنها وزير المالية إلياس الفخفاخ، بحسب انتقادات ذات المتحدث.