تونس- أفريكان مانجر
أثارت تدوينة كتبتها الناشطة الحقوقية نائلة شرشور اليوم على صفحتها الرسمية المفتوحة، سخط رواد النت لما تضمنته من تهكم وسخرية من لهجة المناطق الداخلية لتونس ولكنتها الناطقة لحرف الـ “ڨ”، في ردّها على ما يبدو على تصريحات لزعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي.
وكتبت هذه الأخيرة تدوينة مختلطة فرنسية عربية استهزأت من خلالها بكل وضوح باللكنة التونسية الناطقة لحرف الـ “ڨ” والتي عادة ما ينطقها مواطنون في تونس يقطنون الجهات الداخلية وبالأساس غربي وجنوب البلاد التونسية.
وبرّرت هذه الناشطة سخريتها بسبب استخدام السياسي حمة الهمامي وهو أصيل جهة سليانة، هذه اللهجة من باب “الشعبوية” واستقطابا لقاعدة شعبية ناطقة بهذه اللكنة لحزبه، وفق تفاعلها مع منتقديها.
في المقابل، رأى المنتقدون لهذه الناشطة أنه كان يفترض منها نقد مضمون تصريحات حمة الهمامي من باب معارضتها للتيار السياسي الذي ينتمي إليه (أقصى اليسار) بدل من السخرية من لهجته وما جعلها محل انتقادات لاذعة وإلى درجة اتهامها بالعنصرية التي تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في الدول الديمقراطية المتقدمة، فيما يبقى مثل هذا السلوك ذي بعد أخلاقي في ظل غياب قوانين تجرّم مثل هذه السلوكيات العنصرية.
ويستغرب مراقبون مثل هذه السخرية “العنصرية” من ناشطة مثّلت في أكثر من مناسبة المرأة التونسية في تظاهرات أميركية من خلال “مركز بوش” الذي يشرف عليه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، المثير للجدل بسبب الحرب الأميركية على العراق.
ويلاحظ أن ما يسمّى “عنصرية جهوية” لم يتقلص انتشارها بعد “الثورة التونسية” التي اندلعت انطلاقا من جهات داخلية وكان شعارها الأبرز مناهضة الاحتقار الجهوي وما يعبر عنه نشطاء بـ “الحڨرة”.
ويتسبّب التّفاوت التنموي في تونس بين المناطق الداخلية المهمّشة اقتصاديا وبين المناطق الساحلية المتفوّقة تنمويّا بحكم تموقعها الجغرافي تاريخيا ولخلفيات سياسية سابقة، في حصول نعرات جهوية يفسّرها من جهتهم “المهمشون” بظلم الحاكم لمناطقهم فيما يبرّرها من ناحيتهم “المتفوّقون” بسلوكيات النازحين من المناطق الداخلية عامة على غرار انتشار الجريمة وتراكم الأوساخ وغيرها من مظاهر الفوضى والتي مردها الحقيقي الفقر والبطالة والجهل وليس جهة الانتماء.
ومن المفارقات أن ثقافة الاحتقار المنتشرة بشدة في تونس لم تعد تنحصر في اللهجات والانتماءات الجهوية والقدرة المادية والأصول العائلية وغيرها من الفوارق الاجتماعية، بل طالت المهن أيضا بعد الثورة التونسية، حيث تمحورت أبرز الشعارات التي رفعها التونسيون ضد زوجة الرئيس الأسبق حول مهنتها بوصفها “حلاقة” سابقا، في احتقار ضمني لهذه المهنة كما يتم السخرية من نائبات النهضة في المجلس الوطني التأسيسي وتشبيههن بـ”الحارزات” العاملات في الحمامات التقليدية وفي احتقار ضمني ولاشعوري لهذه المهنة.
وتبقى أفضل التعليقات المتداولة بشأن هذه السلوكيات المقيتة تلك القائلة “نكبتنا في نخبتنا” بسبب جمود هذه النخبة وعجزها على إزالة سلوكيات تعبّر عن تخلف المجتمعات بدل من تفوّقها.
ع ب م