استعادة نسق النشاط الاقتصادي والوصول الى تعافي آلة الانتاج ثم تسريع نسق النمو ليبلغ أعلى مستوياته بما يمكن من معالجة الاوضاع الراهنة بصفة جذرية وفي مقدمتها البطالة و الفقر وإعادة الاعتبار الى المناطق المحرومة ودفع الاستثمار بها… مطالب يبقى تحقيقها مرتبطا بعنصر جوهري الا وهو إيجاد التمويلات الضرورية لعمليات الانجاز, خاصة وأن إمكانات الدولة تعد محدودة للغاية.
ويذكر أن حكومة الجبالي أعلنت في مرات عدّة ومن خلال وثيقة برنامج عملها أن منوال سنة 2012 سيعتمد على رسم سياسة تنموية تشمل جميع الجهات وتعطي الأولوية للتوازن الجهوي وتركيز المرافق والتجهيزات الجماعية والبنية الأساسية والتشجيع على الاستثمار في القطاعات المنتجة.
كما سارعت وزارة التنمية الجهوية والتخطيط الى تركيز لجان جهوية لبلورة حاجيات مختلف المناطق الداخلية التي كانت تعاني التهميش واعتمدت في ذلك على مبدإ التشاركية بين مختلف الأطراف المعنية من ممثلي تلك الجهات والقطاعات من وزارات وجامعيين ومجتمع مدني وقطاع خاص…
وتمكنت الوزارة عبر هذه اللجان من رصد جملة من المشاريع الممكنة داخل الجهات تم عرضها صباح الاربعاء خلال المنتدى الدولي حول ” تمويل المشاريع التنموية في تونس الجديدة”, ذلك أن البحث عن مصادر التمويل يعد الحلقة الرئيسية والضامن للانطلاق الفعلي في تجسيد هذه المشاريع.
وخلال افتتاحه هذا المنتدى, ذكّر رئيس الحكومة حمادي الجبالي أن البرنامج الحكومي لسنة 2012 قد أعطى أولوية لما هو مستعجل وأن حكومته تبنت برنامجا اصلاحيا اقتصاديا واجتماعيا طموحا يؤسس لتنمية تشاركية وينبني على الحوكمة ونبذ الفساد, إضافة الى أنه تم تخصيص 6400 مليون دينار لدفع المشاريع في الجهات الداخلية.
وأضاف أن الحكومة شرعت في اتخاذ اجراءات سريعة في إطار مقاربة تشاركية لإيجاد اطار محفز للاستثمار وإحداث هيئة وطنية للاستثمار او “بيت للاستثمار” لتقديم قدر كاف من المرونة للمستثمرين, فضلا عن وضع سياسة تشغيلية نشيطة تقلّص مدة البحث عن الشغل وتشجع على احداث المشاريع خاصة في المناطق الداخلية.
وأوضح الجبالي أنه لمّا كانت الجهات الداخلية منطلقا للثورة كان لا بد من العمل على تقليص الفجوة بينها من خلال توجيه الاستثمارات حسب خاصيات كل جهة وإرساء بنية تحتية بما يتيح تنقل رؤوس الاموال.
وقال الجبالي أن حكومته عازمة على تنفيذ ما جاء في البرنامج الاصلاحي, داعيا كافة شركاء تونس في التنمية الى المساهمة في تمويل المشاريع التي تضمنها هذا البرنامج الاصلاحي ومساندة جهود جلب الاستثمارات الاجنبية خاصة وان تونس لا يزال بلدا جالبا للاستثمار حسب قوله.
ويذكر أنه تم خلال هذا المنتدى عرض 102 مشروع تنموي منها 50 مشروعا كبيرا بكلفة جملية ناهزت 78 مليار دولار امريكي ,علما وأن كلفة المشاريع الكبرى لوحدها (50 مشروعا) قدرت ب70 مليار دولار وأن الحاجة إلى التمويلات الخارجية بالنسبة للمشاريع الصغرى والمتوسطة قد ضبطت في حدود 6415 مليون دولار أي بنسبة 80 بالمائة من الكلفة الجملية.
من جانبه, قال وزير الاستثمار والتعاون الدولي, رياض بالطيب :” إلى جانب تعبئة الادخار الوطني نحن نعول على مساندة شركائنا في التنمية ونحرص على الاستفادة من الموارد الخارجية لتغطية هذه الحاجيات ودعم تعاوننا الدولي الثنائي والاقليمي ومتعدد الاطراف مع المحافظة على التوازنات المالية للبلاد والتوظيف الأمثل للموارد المتاحة والسيطرة على عجز الميزانية ونسبة المديونية.”
وأضاف أن هناك سعيا الى تعبئة قرابة 6,5 مليار دولار في شكل قروض عمومية وهبات, داعيا شركاء تونس الممولين وباعتبار الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد الى مواصلة دعمهم وتوفير التمويلات اللازمة لهذه المشاريع التنموية بشروط ميسرة.
وزير التنمية الجهوية والتخطيط, جمال الدين الغربي أوضح أن المشاريع التي تمت دراستها اليوم والتي تعرض للتعاون بين القطاعين العام والخاص هي ليست مسقطة بل هي نابعة عن تلك اللجان التي أحدثت داخل الجهات لرصد المشاريع المستعجلة بها وهي أيضا نتيجة المقاربة التشاركية التي تم توخيها وأنتجت توافقا على هذه المشاريع التي ولأول مرة في تونس تم تحديدها وفق معايير علمية ومقاييس موضوعية.
وجوابا عن سؤالنا المتعلق بطبيعة هذه المشاريع وما إذا كنا سنتمكن فعلا إذا ما توفرت التمويلات اللازمة من إنجازها كلها خلال سنة واحدة, أبرز وزير التنمية الجهوية أنها تهم مجالات البنية التحتية من مناطق صناعية وطرقات وجسور وسدود ومسالك فلاحية…ومشاريع في المرافق العمومية والاجتماعية أي كل ما يهم التنمية البشرية على غرار بناء دور الشباب والثقافة والمستشفيات…وكذلك المشاريع في قطاعات الانتاج أي الاستثمارات القادرة على دفع الانتاج وتحسين مناخ الأعمال في تونس.
وأضاف أنه من المبرمج أن يقوم كل من رئيس الحكومة وأعضائها لمختلف الولايات لتقديم جملة المشاريع المبرمجة لسنة 2012
وأنه سيتم اتخاذ عديد الاجراءات لتسريع إنجاز هذه المشاريع على غرار الاسراع في مسار المصاريف والصفقات العمومية وآجالها التي كانت معقدة وتتطلب الكثير من الوقت. كما سيتم النظر في جميع الهياكل التي كانت مجمدة مثل المجالس الجهوية, فضلا عن الاصلاحات القانونية والادارية التي يجب اتخاذها حتى تكون مشاريع 2012 ناجعة وسريعة.
أما عن سؤالنا المتعلق الجانب المتبقي من تمويلات هذه المشاريع والتي يجب الحصول عليها لتلبية حاجيات التمويل الجملية للاقتصاد والتي هي في حدود 8 مليارات دينار في حين أن الحكومة لا تملك منها سوى 2,4 مليار, أوضح الوزير المكلف بالملف الاقتصادي رضا السعيدي أن هيكلة المشاريع تختلف من مشروع الى آخر وأضاف أن هناك مشاريع تفكر الدولة في إعطائها في شكل لزمات وأن هناك مفاوضات مع بعض الشركات الكبرى الآسيوية والتركية والامريكية لتمويل هذه المشاريع في إطار لزمات, الأمر الذي سيعطي نفسا للدولة باعتبار أن ميزانية الدولة لن تتحمل أعباء كثيرة على غرار ما وقع لمطار النفيضة.
وهناك مشاريع أخرى ستتم في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص مثل المنطقة اللوجستية برادس وكذلك المشاريع الأخرى الضخمة ويمكن أن نسوق هنا مثال مشروع المحطة الضخمة لتحلية المياه بجربة والذي كان سيعطى في إطار الحكومة السابقة في شكل لزمة الى مستثمر ثبت فيما بعد أن له علاقة بالمدعو صخر الماطري وبالتالي توقفت العملية وتم تنفيذ المشروع عن طريق الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه عن طريق قرض يقدم لها بحكم ما لديها من خبرة كافية في هذا المجال.
ويقول الوزير المكلف بالملف الاقتصادي في هذا الاطار: “ما نريد القيام به هو عرض هذه المشاريع على مختلف الممولين سواء كان تمويلا عموميا في اطار التعاون الثنائي أو متعدد الاطراف.”
شادية الهلالي