خلافا لما كان متوقعا، مرّت تظاهرة “غرة ماي” الضخمة في تونس بسلام إلى درجة وصفها بـ”الكرنفال” للطابع الاستعراضي الذي تميزت به وسط حضور أمني سعى وبقيادة أعلى سلطة لديه، إلى إنجاح هذه التظاهرة.
ورغم الشعارات التي رفعت اليوم الثلاثاء 1 ماي 2012، المناوئة للحكومة والمنتقدة لها من قبل المتظاهرين الذين خرجوا بعشرات الآلاف من ساحة محمد علي مقر الاتحاد العام التونسي للشغل متوجهين نحو شارع الحبيب بورقيبة مقر وزارة الداخلية، فإن مُصدري الأوامر في هذه الوزارة نجحوا في ضبط النفس والتحكم في الأمور من خلال وداعة أظهرها رجالهم هذه المرة أنست المتظاهرين شراسة ذات رجال الأمن يوم 9 أفريل الماضي، والتي بلغ صداها الصحافة الأجنبية والمؤسسات الحقوقية العالمية حتى أنها لم تتوان عن إدانة حكومة ما بعد الثورة في تونس.
ويلاحظ أن حتى الشعارات الاستفزازية التي رفعها البعض اليوم ضد وزير الداخلية لم تحرك له شعرة واحدة، بل خرج في المقابل، أمام مقر وزارته اليوم مرحبا بالمتظاهرين ومساندا لهم ومقدما لهم التهاني.
ولموزارة الداخلية لرفع أصواتهم مساندي يقتصر الاحتفال على النقابيين وأنصارهم من المعارضة الذين لجأوا إليهم للضغط على الحكومة، بل امتد أيضا إلى أنصار حزب النهضة الذين رابض جلّهم أمامن للحكومة الشرعية، داعين نصرة الله لها ومتضامنين مع العمال في يوم عيدهم، حتى أن بعض المراقبين اعتبر ذلك تعويما للتظاهرة التي نظمت بالأساس للضغط على الحكومة في حين اعتبر البعض الآخر أن ذلك قد يعبر عن امكانية التعايش بين مختلف الأطياف السياسية بالبلاد.
بدورها، فإن الحكومة لم تحرك ساكنا، لتنساق هي الأخرى في موجة الاحتفالات وتبادل التهاني بمناسبة عيد العمال، رغم الخطاب الناري الذي ألقاه اليوم حسين العباسي الأمين العام للاتحاد مهددا إياها ضمنيا بالقول : “لن نستسلم لدعاة التكفير والتمييز وعسكرة الحياة العامة وتجييش دور العبادة والمؤسّسات التربوية من أجل الحثّ على التباغض والفتنة”.
مثل هذه العبارات نزلت أيضا بردا وسلاما على وزارة الداخلية التي حققت تفوقا كبيرا في امتصاص غضب من يعتقد أن دماء الثورة وعنفوانها مازالت تجري في عروقهم، حيث مرّ قمع رجال الأمن غير المسبوق ضد أهالي حي الملاّحة في رادس مؤخرا من دون احتجاجات تذكر. هذا بالإضافة إلى ما يتعرض إليه حاليا أهالي الرديف من تدخل عنيف لرجال الأمن لإخماد احتجاجاتهم التي ما انفكت تتراكم منذ 2008.
ويمكن القول إن الدهاء السياسي لماسك السلطة الفعلي – وهو حزب النهضة – مقابل تخبط من يعارضه في الحكم وضعفه، جعل من المتظاهرين حاضرين في كل مناسبة احتفالية لعرض العضلات على أقصى تقدير وغائبين في كل مناسبة احتجاجية للضغط على الحكومة، خاصة بعدما استوعبت وزارة الداخلية الدرس من أخطاء ماض غير بعيد.
عائشة بن محمود