تونس-افريكان مانجر
يرى مراقبون ان حشد الموارد المالية ، اصبح من اهم العراقيل التي تواجهها الدولة التونسية خلال السنوات الاخيرة خاصة بعد ما عاشته البلاد من ازمة صحية خانقة صاحبتها وضعية عالمية صعبة و مفاجأة بسبب الصراع الروسي الاوكراني ، بالاضافة الى تأخر الاصلاحات الاقتصادية المحلية .
و في هذا السياق ، اعتبر أستاذ الاقتصاد و العضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي، فتحي النوري، ان البنك المركزي اصبح مضطرا للتوجه الى السوق البنكية المحلية عبر الاقتراض الداخلي و ذلك لتمول البنوك التونسية الدولة في هذا الظرف الاستثنائي ، حيث يصبح المركزي التونسي و بطريقة غير مباشرة يمول المؤسسات البنكية لتقتني قروض الدولة .
و شدد ذات المتحدث في حديث لافريكان مانجر ، بان من مهام البنك المكزي هو حماية الدولة و نظامها المالي و البنكي ، موضحا بان قيمة القروض الداخلية قد ارتفعت خلال السنوات الاخيرة لتبلغ حوالي 40 مليار دينار .
و اوضح النوري بأن خلق النقود أو ما يعبر عنه في لغة الاقتصاد “la planche à billets” هي لا تعني أن البنك المركزي يقوم بطباعة الأوراق النقدية وهي تقنية تسمح بضخ السيولة في الاقتصاد من طرف البنك المركزي.
وفسر في ذات السياق ، بأن طباعة الأوراق النقدية تتم في واقع الأمر عبر تحويلات افتراضية الى وزارة المالية و التي تلجأ بدورها الى اقتراض قصير المدى من البنوك التونسية قبل ان يعيد البنك المركزي شراء السندات المالية بحسب قوله.
و اشار أستاذ الاقتصاد ، الى المركزي التونسي بسبب نقص موارد الدولة يتجه الى إصدار سندات الخزينة ويطلب من البنوك الاكتتاب في رقاعها .
و لفت مصدرنا الى ان البنك المركزي اتجه لهذا الحل في ظل صعوبة كبيرة للاقتراض من السوق الدولية، خاصة و ان بلادنا لم تتوصل الى اليوم الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حيث ان المحادثات مازالت جارية .
و قال بان اقتراض الدولة من البنوك المحلية ، رغم ارتفاع نسبته ،خلال الفترة الاخيرة الا انه لن يكون على حساب المستثمرين أو المواطن التونسي و ذلك بسبب تراجع الاستثمارت من ناحية و انخفاض الاقبال على القروض الاستهلاكية من ناحية اخرى .
وتسعى تونس للتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على قرض بحوالي 4 مليارات دولار سيخصص لتمويل الميزانية.
و من المتوقع ان تكون مهمة الوفد التونسي المتفاوض مع صندوق النقد الدولي بالعسيرة ، حيث لن يكون الطريق ممهدا أمامهم للحصول على قرض جديد، بسبب توتر المناخ الاجتماعي والسياسي في البلاد، إذ يشترط الصندوق ضمانات حول توافق داخلي بشأن الإصلاحات المنتظرة.
ويعد القرض الجديد الذي انطلقت السلطات التونسية في التفاوض عليه ، هو الثالث من نوعه منذ ما يعرف بانتفاضة 2011 والرابع في تاريخ البلاد.
و من المتوقع ان يتم تمويل خزينة الدولة لهذا الشهر بالاعتماد على الاقتراض الداخلي من جهة بالاضافة الى القرض الذي تحصلت عليه تونس بقيمة 700 مليون دولار من طرف البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (أفريكسيم بنك ) وبفائدة 5.76%، من المقرر سداده على سبع سنوات تشمل فترة سماح لسنتين.
و كانت وزارة المالية قد نشرت سابقا ، وثيقة حول إطار الميزانية متوسط المدى، ملحق قانون المالية لسنة 2022 ويتمحور برنامج الإصلاحات في مجال السياسات المالية والجبائية على المديين القصير والمتوسط للفترة 2022 /2024 حول 4 مجالات أساسية تتعلّق بالتحكم في كتلة الأجور وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية وإصلاح نظام الدعم وحوكمة المؤسسات العمومية والاصلاح الجبائي،
واعتبرت الوثيقة أن إصلاح منظومة الدعم لا يكون إلا عبر إعادة صياغة سياسات الدعم وآليات التعويض، أساسا، عبر المرور من دعم الأسعار إلى الدعم المباشر مما يمكن من توفير اعتمادات إضافية موجه للاستثمار العمومي.
ويهدف البرنامج الإصلاحي في ما يهم دعم المحروقات إلى بلوغ الأسعار الحقيقة في أفق سنة 2026 مع اتخاذ إجراءات موازية لحماية الفئات الهشة.
وفي ما يتعلق بدعم المواد الأساسية، فقد شهدت ارتفاعا بدورها بالعلاقة مع ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية في الأسواق العالمية مقابل عدم تعديلها بالسوق الداخلية منذ سنة 2008، مما يستوجب بحسب الوثيقة الخاصة بإطار الميزانية على المدى المتوسط، بإعداد، خلال سنة 2022، دراسة حول مدى نجاعة وقابيلة برنامج الإصلاح المقترح للتنفيذ على أرض الواقع بتغيير النظام الحالي لدعم الأسعار نحو نظام جديد يرتكز على دعم الأجور والتحويلات النقدية المباشرة، علاوة على تفعيل النظام الجديد لدعم المواد الأساسية بصفة تدريجية خلال الفترة الممتدة من سنة 2023 إلى غاية 2026 مع آلية استهداف قادرة على تحقيق العدالة اللازمة في توزيع التحويلات لمستحقيها الفعليين.
وتعتبر الحكومة أنّ برنامج الإصلاح يهدف أساساً إلى التحكم وبشكل مستعجل في التوازنات الكبرى ودفع النمو وإعداد الأرضية لانتعاشة اقتصادية، بحسب الوثيقة ذاتها.
ويستحوذ الدين العام لتونس، بحسب قانون الموازنة، على 82.57% من إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويبلغ الدين الخارجي نحو 72.9 مليار دينار (24.8 مليار دولار)، بينما يبلغ الدين الداخلي 41 مليار دينار.
في ظل ذلك ستبقى تونس رهينة التجاذبات النقابية و السياسية و الدولية ، و ذلك على الرغم من الظرف الدولي المضطرب و الغير واضح و الذي سيساهم بدوره في تعميق هشاشة الدول التي تمر بأزمات اقتصادية على غرار بلادنا و لبنان و اليمن و الاردن …