تونس-افريكان مانجر
على إثر إعلان كلّ من وزارتي الداخلية و الدفاع الوطني نيّتها تتبّع وسائل الإعلام قضائيا في حال واصلت إفشاء ما تمّ اعتباره مسّا بالأمن القومي، اختلفت الآراء بهذا الشأن. حيث تمسّك عدد من الإعلاميين بأنّه لا يمكن مُؤاخذة الصحفي إلا إذا قام بنشر معلومات مُزيفة أو قام بعمل داخل منطقة أمنية مُغلقة و محظورة، فيما رأت أطراف أخرى أنّه لا يجب نشر معلومات خطيرة و اللهف وراء السبق الصحفي على حساب أمن الوطن.
و يأتي هذا الجدل تبعا لبلاغ مشترك أصدرته مساء أمس الأربعاء للمؤسستين الأمنية و العسكرية و التي ذكرت فيه أنّ أحد الموقوفين أكدوا بأنّ المجموعات الإرهابية تستفيد ممّا تروجه وسائل الإعلام بخصوص التحرّكات العسكرية والأمنية للإفلات من الكمائن والملاحقات، حيث تمكّنوا في العديد من المناسبات من تحيين وضعياتهم ومخطّطاتهم ونجحوا في تجاوز الحملات والحواجز الأمنية.و عليه فقد حذرت من أنّها تعتبر ذلك إفشاءا لأسرار تمسّ بالأمن القومي ويعرّض صاحبه للتتبعات القضائية.
الإعلام يُغذي الإرهاب
و كانت مختلف وسائل الإعلام قد تناقلت و بصفة خاصة على مدى سنة 2013 العديد من الأخبار و المعلومات التي تُنقل على لسان مصادر أمنية حول حقيقة الإرهاب في تونس،و حقيقة ما كشفته بعض التقارير الأمنية حول وجود مُخططات إرهابية لتفجير مناطق سكنية و مؤسسات دولية كما تمّ تناقل كمّا هائلا من المعلومات و المراسلات الحينية عمّا يحدث في الشعانبي و غيره من المناطق حيث يتمّ تنفيذ عمليات عسكرية للقبض و تعقب المجموعات الإرهابية في الأراضي التونسية و قد وجدت هذه الأخبار صدى كبيرا في الشارع التونسي.
و قد تدّخلت المؤسستين الأمنية و العسكرية في بعض الحالات للرّد على الأخبار أو لتوضيحها. و حول هذا الموضوع أكد مصدر مسؤول بوزارة الدفاع ل”افريكان مانجر”أنّ إصدار البلاغ سالف الذكر جاء لاعتبارات أمنية،و لم يكن هدفه الحدّ من حرّية التعبير. و أكد المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أنّ المجموعات الإرهابية قامت في العديد من المناسبات بتغيير إستراتيجيتها و مخططاتها بناءا على تقارير إخبارية في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة و السمعي البصري، مُشيرا أنّ عمليا استنطاق بعض الإرهابيين أكدت أنّها تستقي المعلومة ممّا يُنشره الإعلام.
و لحسن سير العمليات العسكرية الجارية حاليا في الشعانبي و غيرها من المناطق فقد شدّد مُحدثنا على أنّ وعي الصحفي في هذه المرحلة نظرا لحساسية الموضوع مطلوبة،قائلا إنّ الأجهزة الأمنية لاحظت على مدى الفترات السابقة سوء تقدير من الصحفي في نقل المعلومة الأمنية و بالتالي فإنّ كلّ وزارتي الداخلية و الدفاع سيتمسكان بحقهما في التتبع القضائي إذا لم يلتزم الصحفي بذلك.
لن يبقى مكتوف الأيدي
في حالات كثيرة-لسبب أو لآخر- يعجز الصحفي في الحصول على مصدر رسمي سواء من وزارة الدفاع أو الداخلية لتثبت من صحة ما لديه من أخبار،و في هذه الحالة و بحسب ما صرّح به رئيس المنظمة التونسية لحماية الإعلاميين زياد الهاني فإنّه لن يبقى مكتوف الأيدي و سيكون من واجبه نشر الخبر،مُضيفا أنّه لا يُمكن مُؤاخذة الصحفي إلا إذا نشر معلومات مُزيفة أو قام بعمله داخل منطقة أمنية مُغلقة و محظورة.
و أضاف الهاني أنّ الواجب المهني للصحفي يفرض عليه إخبار الرأي العام بما تصله من معلومات مُدّققة،قائلا أنّه إذا كان لرجل الأمن اعتباراته في التعاطي مع هذه المعلومة المتعلقة بالإرهابيين فإنّ للصحفي واجبا لا يفرض عليه الحجب بأي شكل من الأشكال إلا إذا رأى أنّ مصلحة البلاد تقتضي عدم الكشف بالمعلومة.في المقابل أكد زياد الهاني أنّه في أحيان كثيرة يُمكن للصحفي التواصل مع الجهات الأمنية للتأكد من المعلومة و بالتالي يتمّ إخراجها في صيغة توافقية.
و إجمالا اعتبر مُحدّثنا أنّ الصحفي معني بأمن بلاده على نفس مستوى الجهات الأمنية و العسكرية،لأنّ الحفاظ على أمن التونسيين ليس مسؤولية الجهات الرسمية فحسب على حدّ قوله،بل هي مسؤولية عموم المواطنين و في مقدّمتهم الصحفيين باعتبارهم “قادة للرأي و مُشكلين له” حسب تعبيره. مُضيفا أنّ الأمن شرط رئيسي و ضروري لممارسة الحرّية.
الصحفي”حمّال”رسائل إرهابية
و على خلاف ذلك أكدت الجامعية و المحللة السياسية سلوى الشرفي ل”افريكان مانجر” أنّها تدعم المؤسسة الأمنية في موقفها الأخير،مُشيرة إلى أنّ التجارب الدولية أثبتت أنّ الجماعات الإرهابية تستغل حرية التعبير لترويج أخبار زائفة أو لتمرير أخبار مُشفرّة و بالتالي يُصبح الصحفي وفق ما أفادت به الشرفي “حمّال”رسائل إرهابية دون أن يعي بذلك.
و في ظلّ الوضع الراهن الذي تمرّ به تونس و مع تواتر المعلومات الأمنية خاصة المتعلقة منها بالمخططات الإرهابية و العمليات الجارية في الشعانبي و على الحدود التونسية،قالت محدثتنا إنّ واجب التحرّي يُطرح بقوّة في الحالة الأمنية لأنّه قد تترتب عن ذلك أضرار تمّس حياة أشخاص.و في حال كانت المعلومة على قدر كبير من الخطورة و تعذر على الصحفي التثبت من صحتها فقد بيّت الشرفي أنّه لا يجب اللهف وراء السبق الصحفي على حساب مصلحة الوطن،و في السياق ذاته أوضحت أنّ الإشكالية في هذا الموضوع هو علاقة الأمنيين بالصحفيين و مدى قدرة الهياكل الرسمية على توفير المعلومة للصحفي.
بسمة المعلاوي