تونس-أفريكان مانجر
رغم كلّ الانتقادات التّي تواجهها الرّياض والمدارس القرانيّة، ورغم قرارات غلق البعض منها لعدم استجابتها لكرّاس الشّروط حسب تصريحات سابقة لـكاتبة الدولة للمرأة نائلة شعبان، إلاّ أنّ انتشارها مازال متواصلا، وقد فاق عددها حسب بعض المصادر المسؤولة في تصاريح متطابقة لـ “أفريكان مانجر الألف مدرسة.
سلوكيات غريبة
“أفريكان مانجر” قام بالتحقيق في هذا الموضوع ورصد عن كثب عديد السّلوكيّات “الشّاذة” للأطفال من ذلك امتناعهم عن سماع الأغاني (ما عدا الأغاني الدّينيّة) واعتبار ذلك شرك باللّه وعدم مصافحة الإناث بالنّسبة للذّكور والعكس بالعكس بالنسبة للإناث، هذا الى جانب تدريسهم شتّى أنواع عقاب اللّه على غرار عذاب القبر ونار جهنّم… حتّى أصبح الأطفال يخافون من عقاب اللّه في كلّ ما حركاتهم وسكناتهم ويعيشون كبتا على جميع المستويات خوفا من ارتكاب خطئ يدخلون بسببه الى النّار، حتّى أنّنا لاحظنا أنّ هؤلاء الأطفال أصبحت تغيب لديهم مظاهر البراءة والتّلقائيّة التّي يتميّزون بها في العادة في سنّهم.
كما لاحظ “أفريكان مانجر” أنّ عدد من الفتيات لا يتجاوز سنّهن السّادسة يضعن الحجاب، الشّيء الذي من شأنه أن يسلبهنّ طفولتهنّ، ويجعلهنّ يقمن بأفعال دون فهمها والإقتناع بها، ممّا قد يجعلهنّ مستقبلا يتمرّدن على كلّ شيء وينزعن الحجاب وربّما ينحرفن… سيناريوهات واردة لأنّ نوعيّة هذه التّربية خاطئة حسب ما يؤكّده كثير من الأخصّائيين الإجتماعيين.
مدارس تقليديّة لا تستجيب للشّروط
والى جانب غسيل المخّ الذي توظّفه الرّياض والمدارس القرانيّة على الأطفال، لاحظت “أفريكان مانجر” أثناء زيارتها بعض هذه الرّياض بتعلّة التّعرّف عن خدماتها لتسجيل أحد أبنائها أنّ الخدمات المقدّمة من قبلها رديئة ولا تستجيب للمواصفات المعمول بها لا من حيث كيفيّة تسخين الأكل ولا من ناحية نظافة المكان ولا من ناحية التّجهيزات، وحتّى طريقتها في التّعامل مع الأطفال، بغضّ النّظر عن كيفيّة تعليمهم (مرتكزة أساسا على التّلقين) تقليديّة جدّا وغير مدروسة وتعتمد على العقاب بـ “العصا” والشّتم والنّعت بأوصاف غير انسانيّة، خاصّة إذا طلب التّلميذ حمله الى بيت الراحة خلال أوقات الصّلاة… والغريب أنّ أسعار هذه المدارس مرتفعة، حيث يقدّر أدناها بـ 80 دينار.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة الى أنّ جلّ “المربيات” فتيات منقّبات، وهو ما يجعل من التّواصل مع تلاميذهم أمر صعب إن لم نقل مستحيلة. وتلقى هذه المدارس مساندة من زعيم النهضة راشد الغنّوشي الذي قال كلمته الشّهيرة الموجّهة لهذه المدارس “اخدموا ما يسكّرها حدّ” حسب ما أفادتنا به رئيسة الغرفة الوطنيّة لرياض الأطفال نبيهة التّليلي.
مدارس تتهرّب من الضّرائب
كلّ هذه التّجاوزات، لا تعدّ شيئا أمام ما يحدث داخل هذه “المؤسّسات” المشبوهة، حيث أكّدت محدّثتنا أنّ الجمعيّات الخيريّة تعمد الى تكوين وتأطير وتوجيه “المدرّسات” و”المدرّسين” الذين يتمّ انتدابهم حسب مقاييسهم الخاصّة دون تمكينهم من التّغطية الإجتماعيّة نظرا لعدم شرعيّتها القانونيّة (يعملون دون ترخيص)، مضيفة أنّ هذه المدارس تتهرّب من دفع الضّرائب، حيث تعمل وتنشط دون دفع أيّ أداءات.
وفي سياق متّصل، أكّدت رئيسة الغرفة الوطنيّة لرياض الأطفال أنّ هذه النّوعيّة من المدارس تستقطب حسب مصادرها الخاصّة 30 ألف طفل في 12 ولاية، والظّاهرة مازالت متواصلة لأنّها لا توجد جرأة التّنفيذ (غلق المدارس الموجودة ومنع بعث مدارس اخرى)، مع الإشارة الى أنّ رئاسة الحكومة أكّدت في تصريح لـ “أفريكان مانجر” أنّ ملفّ المدارس القرانيّة ليس من مشمولاتها رغم أنّ الجمعيّات الخيريّة المؤسّسة لهذه المدارس تحصل على تراخيص من قبلها.
وفي اتّصال بوزارة الشّؤون الدّينيّة أكّد مصدر مسؤول بها أنّ الوزارة تقتصر مشمولاتها على الكتاتيب، أمّا بالنّسبة لوزارة المرأة فقد حاولت “أفريكان مانجر” منذ أن كانت سهام بادي وزيرة للمرأة الحصول على جواب في هذا الإطار، إلاّ أنّها فشلت في ذلك العديد من المرّات وكأنّ هذا الملفّ أصبح من الملفّات الممنوع الحديث عنها.
وعن الحلول، أبرزت محدّثتنا أنّ الغرفة ناقشت هذه الظّاهرة الخطيرة ودعت في المنابر الإعلاميّة الى وقف أنشطة هذه المدارس، وطالبت وزارة الإشراف بصفة مباشرة وغير مباشرة الى انقاذ الطّفولة المهدّدة، لكن لا حياة لمن تنادي، لأنّها على ما يبدو إرادة سياسيّة يصعب التّصدّي لها في الوقت الحالي، مضيفة أنّ الحلول الموضوعيّة والضّروريّة لا يمكن تنفيذها قبل الانتخابات.
المدارس القرانيّة أخطر من رابطات حماية الثّورة
وحول نفس الموضوع، قال الشّيخ فريد الباجي رئيس الجمعيّة الزّيتونيّة في تصريح لـ “أفريكان مانجر” أنّ هذه المدارس هي في الحقيقة غطاء سلفي لإنشاء جيل تكفيري تفجيري، مبرزا أنّ الجمعيّات المؤسّسة لهذه المدارس مدعومة بالبيترودولار ولها أجندا خبيثة لسلخ الشّعب الّتّونسي من هويّته الإسلاميّة المعتدلة، ممّا يجعل هذه الجمعيّات تمثّل خطرا أكبر على أطفالنا، فمن خلالها سيتخرّج شعب مغلق ظلامي لا يؤمن بالدّولة ولا بالتّحضّر ، وهي أخطر من رابطات حماية الثّورة لأنّها تقوم بغسل الأدمغة للتّحكّم في عقليّة الشّعوب وهو مشروع إقليمي، عربي، إسلامي وعالمي على حدّ تعبيره.
وعن انتشار بعض المدارس القرانيّة (تعليم ابتدائي) المنسوبة لجمعيّة نور البيان، أكّد محدّثنا أنّ نور البيان من أخطر المدارس القرانيّة الموجودة على السّاحة، لأنّهم يعلّمون عقيدة فاسدة تجسّد اللّه سبحانه وتعالى، وهي أكبر مصدر لتعليم التّطرّف والتّكفير، كما أنّ تمويلاتها مشبوهة، وفق تعبيره مبرزا أنّ الجمعيّة الزّيتونيّة طالبت الحكومة بايقاف هذا النّزيف، لكنّه تبيّن أنّه لا يمكن ايقاف هذا الغزو الوهابي، إلاّ بتكاثف المجتمع المدني والإعلام للضّغط على السّياسيين، حتّى يتّخذوا موقفا صارما في هذا الأمر.