تونس- افريكان مانجر
“الاقتصاد التونسي يعيش على وقع حالة من التخبط، نتيجة لغياب رؤية استراتيجية واضحة، كما ان المؤشرات المتردية والترقيم السيادي السلبي ووضعية المالية العمومية المهترئة أصبحت معلومة لدى عموم الشعب التونسي، فضلا عن تفشي الفساد والتهرب الضريبي”… ذلك هو الوضع الاقتصادي الراهن بحسب توصيف الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تقدّم رسميا الى رئاسة الجمهورية بمقترح حوار وطني تحت عنوان “مبادرة للخروج من الأزمة في اتجاه خيارات وطنية جديدة”.
3 محاور رئيسية
وتقول المنظمة الشغيلة ان هذه المبادرة، ترتكز على 3 محاور، وهي ” مفتوحة على كل القوى الوطنية التي تُؤمن بالدولة الديمقراطية الاجتماعية وتنبذ العنف وترفض الإرهاب وتدافع عن السيادة الوطنية ولا تصطف مع الاحلاف الخارجية مهما كان عنوانها”.
سياسيا، دعا الاتحاد الى تقييم شامل للنظام السياسي تعديلا او تنقيحا او تغييرا، مع تقييم قانوني الأحزاب والجمعيات، والقانون الانتخابي، كما طالب بتحييد المرفق القضائي وإصلاحه وتقييم آداء الهيئات الدستورية المنتخبة مع تقييم تجربة الحكم المحلي ومراجعة قانون الجماعات المحلية.
على الجانب الاقتصادي، طالب الاتحاد بالإسراع بفتح حوار وطني مؤسس لمنوال تنموي جديد دامج يكرّس العدالة الاجتماعية والجبائية والتوزيع العادل للثروات، داعيا الى تقييم الواقع الاقتصاد الوطني مع تدقيق المالية العمومية مع دعم المؤسسات العمومية واصلاحها والقيام بالإصلاحات الجبائية المستعجلة.
وعلى الجانب الاجتماعي، اعتبر ان الأولوية المطلقة يجب ان تتوجه الى الفئات الاجتماعية الهشة، مقترحا إرساء هيئة حكماء – وسطاء من الشخصيات الوطنية المستقلة، تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية، على ان تتولى الهيئة التي لا يمكن لأعضائها باي حال من الأحوال تحمل مسؤوليات سياسية او الترشح للانتخابات المقبلة، إدارة الحوار وتقريب وجهات النظر والتحكيم بين كل الأطراف المعنيين.
وستعمل الهيئة، وفق نص المبادرة التي نشرها الاتحاد امس الثلاثاء، على تلخيص كافة التصورات والمقترحات العملية والقابلة للتطبيق لمختلف الأطراف المعنية في كل المجالات في شكل تأليفي يحمل رؤية واضحة وأهداف دقيقة ومحددة في الزمن بعد إنجاز، مصفوفة أولوية تبرز مختلف المقترحات التوافقات والاختلافات ومصفوفة للتوافقات ومدة الإنجاز والمسؤول عن الإنجاز ومصفوفة الاختلافات واقتراحات الهيئة لتجاوزها وعقد اجتماعات مع المعنيين بالأمر، ومصفوفة لاقتراحات المواطنين.
الأسباب… أزمة غير مسبوقة
وجاء في شرح أسباب المبادرة ان تونس تعيش اليوم على وقع ازمة غير مسبوقة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية، ازدادت تأزما وتعقيدا بعد تفشي جائحة كورونا في موجتيها والثانية.
واعتبر الاتحاد ان ازمة الحكم والتشتت الحزبي، والتنافر الملحوظ بين السلط وعدم شفافية تمويل الجمعيات والأحزاب في ارتفاع منسوب الاحتقان والتوتر بين النخبة السياسية وبين مؤسسات الدولة وفي تنامي الصراعات العبثية والعنيفة تحت قبة البرلمان حتى صار العمل داخله ما يشبه المستحيل، واصبح المزاج الشعبي سلبيا ويسوده فقدان الثقة في السياسي والخوف من المستقبل، وتطغى عليه مشاعر الإحباط والنفور من الشأن السياسي العام وتواصل العزوف الانتخابي والخوف من المستقبل.
ويرى الاتحاد ان سياسيات التهميش للعديد من مكونات المجتمع المدني التي طالما كانت في الصفوف الأولى للنضال ضد الاستبداد، ادت الى الحيلولة دون تقديم بدائل ذات مصداقية تتلاءم وانتظارات التونسيين فضلا عن انخراط بعضها في الحسابات السياسية والمصالح الضيقة.
وتابع ان غياب الحوكمة السياسية الجدية والانخرام التام للمناخ السياسي هيكليا ومؤسساتيا واخلاقيا، مثل عائقا إضافيا امام حلحلة الأوضاع.
وأدت مختلف هذه العوامل الى تنامي خطاب العنف والكراهية واستشراء الفساد وتغول اللوبيات وتفشي العنف والإرهاب، مما زاد في ضعف الدولة وعجزها، الى جانب تقهقر صورة تونس على الصعيد الدولي وضعف دورها الإقليمي والارتباك الواضح في سياساتها الديبلوماسية وفقدان مصداقيتها لدى مختلف الشركاء الدوليين بما انعكس سلبا على مناخ الاعمال من خلال التراجع الرهيب للاستثمار الداخلي والخارجي علاوة على تواتر العديد من التصنيفات السيادية السلبية.
واستنادا الى جاء في نفس الوثيقة، فقد أضحت الازمة غير المسبوقة التي تعيشها تونس، تهدد سيادة ووحدة ترابها الوطني ومكاسب دولة الاستقلال كمدنية الدولة والمنظومات العمومية كالتعليم والصحة، بما ينذر بتنامي ضعف الدولة وتلاشي مقدرتها واختراق بعض مفاصلها من طرف قوى الفساد واللوبيات ويؤشر بقرب تفكك الدولة وانفجار الأوضاع ودخول البلاد في دائرة المجهول كالمسّ المباشر بالسلم الأهلي والامن القومي خاصة انها مازالت في مرمى الإرهاب الذي يبقى تهديدا جدّيا وقائم الذات.
وضع ينبئ بإنفجار اجتماعي
وقد القت هذه الازمة بظلالها على كل مناحي الحياة وعلى الوضع العام، ممّا أصبح ينبئ بانفجار اجتماعي قد تكون كلفته باهظة وغير محمودة العواقب.
وقد دعا الاتحاد العام التونسي للشغل، كل الفاعلين السياسيين المعنيين بانقاذ تونس وباقي المنظمات الوطنية وقوى المجتمع المدني وكل الكفاءات في الداخل والخارج من شخصيات وطنية وقامات اكاديمية وعلمية الى الانخراط في حوار جدي ومسؤول لتحديد جملة من الخيارات الوطنية وضبط الاستراتيجيات وترتيبها في شكل أولويات عاجلة ليقع تبنيها من قبل كل التونسيين.