ارتفع الرقم القياسي لأسعار الغذاء العالمية، الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” بنسبة 25 في المائة خلال عام 2010، متجاوزاً الذروة التي وصل إليها في شهر يونيو 2008. كما ارتفع الرقم القياسي مرة أخرى بنسبة 9.9 في المائة خلال أول شهرين من عام 2011. وحسب البنك الدولي فإن العالم على وشك بلوغ “نقطة الانكسار” لأن أسعار الغذاء تؤثر بشدة على أفقر الفئات في المجتمع، تلك الفئات التي تنفق جزءاً كبيراً من دخلها على الغذاء. ويتضمن ذلك نسبة كبيرة من السكان في العديد من الدول العربية، حسب تقارير عالمية.
واقترب الرقم القياسي لأسعار الغذاء الذي يصدره البنك الدولي، اقترب هو الآخر من مستويات قياسية، إذ ارتفع بنسبة 15 في المائة بين أكتوبر 2010 ويناير 2011. وتتوقع وحدة أبحاث الإيكونوفيست في لندن ارتفاعاً بنسبة 19 في المائة.
وبينما ارتبط آخر ارتفاع لأسعار الغذاء في عام 2008 بالطفرة الاقتصادية، إلا أن الارتفاع الحالي يأتي في وقت تعاني فيه الكثير من الحكومات بالمنطقة من عجوزات شديدة بسبب الركود العالمي خلال عام 2009. وهذا يعني أن لديها قدرة أقل على مواجهة التضخم بزيادة الدعم المخصص للأغذية أو زيادة الأجور.
تسبب تشابك ثلاثة عوامل مختلفة إلى ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً. ويعود السبب الأول والذي يعتبر اتجاها رئيسا طويل الأمد بفضل تزايد الرخاء في بلدان مثل الصين والذي انعكس على طلب متزايد للحوم ومنتجات الألبان التي تتطلب زراعة العلف الحيواني بدلاً من المحاصيل الغذائية للبشر.
ويأتي السبب الثاني والذي يعتبر في غاية الأهمية إلى ظروف الطقس السيئة في البلدان المنتجة للمحاصيل الغذائية، وهي أحداث تبدو أكثر تكراراً بسبب تغير المناخ العالمي. وتضمنت هذه الأحداث الفيضانات التي اجتاحت عددا من الدول ومنها كندا وباكستان وأستراليا، وكذلك الجفاف الذي أصاب روسيا والأرجنتين. وأخيراً أدت أسعار الوقود المرتفعة أيضا إلى زيادة التكاليف المرتبطة بإنتاج الأغذية ونقلها، خصوصا في البلدان التي لا تدعم الوقود. وفي الوقت ذاته، ربما أسهمت المضاربات على الشراء من جانب المتاجرين للمواد الغذائية في ارتفاع الأسعار بدرجة تزيد عما تبرره التحركات الأساسية للعرض والطلب. وقد أدى هذا الأمر إلى تطبيق بعض الإجراءات والسياسات في عدد من الدول للحد من ارتفاع الأسعار مثل فرض حظر على الصادرات أو اللجوء إلى تخزين الأغذية.
ويتفاوت التأثير التضخمي للارتفاع في أسعار الأغذية بين دول المنطقة استنادا إلى نسبة إنفاق الأسرة المخصصة للغذاء في العادة. ففي مصر على سبيل المثال يشكل الغذاء ما نسبته 39.9 في المائة من الرقم القياسي لأسعار المستهلك، بالمقارنة إلى 13.2 في المائة فقط في قطر. وهذا يعني أن الزيادات في أسعار الأغذية سيكون تأثيرها على معدل التضخم أكثر في مصر بثلاثة أضعاف عنه في قطر. وعلاوة على ذلك، فإن الزيادات الحالية في الأسعار أكبر تناسبياً في حالة المواد الغذائية الأساسية عنها في الأغذية المجهزة الأعلى ثمناً، وهو ما يضخم من الأثر على المستهلكين الفقراء، الذين يميلون إلى شراء قدر أكبر من الأغذية الأساسية مثل الأرز. وفي مصر، زاد مكوّن الغذاء في الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 17.2 في المائة في عام 2010، بالمقارنة إلى 3.8 في المائة في قطر.
وتتعرض منطقة الشرق الأوسط للخطر بوجه خاص لتأثير مشكلات الأمن الغذائي، نظراً للزيادة السريعة في عدد السكان ومحدودية الأراضي الزراعية، ويترتب عليهما اعتماد العديد من البلدان العربية على الواردات من الأغذية.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا ظلت أسعار الغذاء مرتفعة على المدى الطويل، ستنظر البلدان العربية في زيادة احتياطياتها الإستراتيجية من الأغذية، وتطوير التقنيات الرامية إلى تعزيز الإنتاج المحلي. وقد اتجهت بعض الدول إلى الاستثمار في حيازة الأراضي الزراعية في الخارج للمساعدة على تأمين الإمدادات الغذائية لسكانها.