تونس-افريكان مانجر
أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية ، خلال نقطة إعلامية مساء امس الاثنين 25 جويلية 2022 ، عن النسب التقريبية للناخبيين الذين قاموا بالتصويت دون اعتبار المراكز التي مازالت مفتوحة.
و أكدت الهيئة ، أن عدد المشاركين في الاستفتاء على مشروع الدستور بلغ إلى حدود موعد غلق مكاتب الاقتراع، 2.458.985 مقترعا من إجمالي 8.929.665 مسجلين في قاعدة بياناتها، أي بنسبة مشاركة في حدود 27.54 %.
من جهته اوضح حسن الزرقوني مدير عام مؤسسة سيغما كونساي لسبر الآراء انه وحسب التقديرات الأوليّة لنتيجة الاستفتاء عند الخروج من مكاتب الإقتراع فان نسبة التصويت بنعم كانت في حدود 92.3% مقابل 7.7% صوّتوا بـ’لا’.
وبخصوص التصويت بـ “نعم” فان 24 بالمائة ” ايدوا الاستفتاء من أجل إصلاح البلاد وتحسين الوضع، و23 بالمائة دعما لمشروع قيس سعيد ،و17 بالمائة لطي صفحة العشرية الماضية، و13 بالمائة مقتنع بالدستور، و11 بالمائة ضد النهضة والإسلاميين وراشد الغنوشي ، و4 بالمائة مع النظام الرئاسي، و3 بالمائة ضد البرلمان.
بعض تفاصيل الدستور
و يمنح المشروع الجديد للدستور ،الذي عدله قيس سعيد بعد نشره بالرائد الرسمي ، صلاحيات واسعة للرئيس محولا النظام السياسي السابق البرلماني المعدّل إلى رئاسي وصفه بعض الخبراء “بالرئاسوي الامبراطوي “حيث تطغى فيه السلطة التنفيذية على بقية “الوظائف التشريعية و القضائية ” بحسب نص المشروع .
و جاءت هذه النسخة المعروضة للاستفتاء في وقت تبرأت فيه “اللجنة الاستشارية من أجل بناء جمهورية جديدة”، منها و من فصولها ، فضلا عن وصفها له بالخطيرة و الممهدة لنظام ديكتاتوري من قبل رئيسها الصادق بلعيد و الذي كان من احد المقربين من سعيد .
و يرى بعض الخبراء الدستوريين ، ان المشروع المنشور و المصحح ، هو من كتابة و صياغة الرئيس التونسي قيس سعيد حيث يترجم فعليا قناعاته و افكاره . و كان سعيد قد قام بإصلاح “46” خطأ لغويا ومضمونيا في مسودّة الدستور الأولى، وإصداره نسخة ثانية معدّلة (08/07/2022).
بعض الفصول الجيدة
ويرى بعض المتابعين للشأن العام التونسي بأن الدستور الجديد يحمل في طياته بعض الفصول المهمة و الجيدة على غرار منع السياحة الحزبية، أو حظر الإضراب في القطاعات الحيوية (الفصل41)، وإحداث مجلس أعلى للتربية والتعليم (الفصل 135)، وإلزام الدولة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال والمسنّين الذين لا سند لهم وتجريم التمييز على أساس الانتماء ، ورفع الحصانة عن النائب في حال تعطيله السير العادي لأعمال البرلمان ، وتأمين ظروف المحاكمة العادلة ، الا ان ذلك لا يمنع وجود فصول “شائكة و ملغمة ” خاصة في باب الحريات و السلطة التنفيذية و الهيئات الدستورية .
رئيس الجمهورية هو المهيمن
و حيث منح سعيد لنفسه في مسوّدة الدستور صلاحيات واسعة، مقارنة بصلاحيات بقية السلطات فهو المهيمن على كلّ أجهزة الدولة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية ، كما انه يضبط السياسة العامّة للدولة (الفصل 100)، ويتولّى إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية فيها (الفصل 106)، وهو مَن يعيّن رئيس الحكومة وبقية أعضائها و هي مسؤولة أمامه و ليس امام البرلمان ليكون بذلك وجودها صوريا و جهازا تنفيذيا لقرارات الرئيس و توجيهاته .
كما اعتبر بعض اساتذة القانون الدستوري ، ان الفصل 110 من الدستور المنشور يمثل خطرا و تمهيدا لدكتاتورية “الشخص الواحد ” حيث أنّ “رئيس الجمهورية يتمتع بالحصانة طيلة توليه الرئاسة، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط (…)، ولا يُسأل عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه” .
صلاحيات محدودة للبرلمان
في مقابل هذه الصلاحيات التنفيذية الخارقة ، جاء الدستور الجديد و على عكس دستور سنة 2014 بصلاحيات محدودة للبرلمان ، فقد أقر إحداث مجلس وطني للجهات والأقاليم، ليُنازعه اختصاصاته الرقابية والتمثيلية.
فضلا عن ذلك فان هذا البرلمان لا يمكنه إقالة الحكومة أو حجب الثقة عنها عبر التصويت، إلا بتأييد ثلثي النواب في المجلسين (الفصل 115)
كما يجوز “لرئيس الجمهورية أن يحل المجلسين أو أحدهما، ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها” (الفصل 115)، وله الحقّ في اقتراح تشاريع، وإصدار مراسيم، وردّ قوانين صدّق عليها المجلس النيابي. بالاضافة الى أنّ حصانة النوّاب مقيّدة” (الفصل 66)، حيث يمكن سحب الوكالة منهم” (الفصل61).
وظيفة قضائية
أما وضعية السلطة القضائية فهي ليست بأفضل من وضعية السلطة التشريعية ، فالرئيس بحسب مشروعه الجديد ،يعتبرها مجرّد وظيفةٍ خاضعة لهيمنة السلطة التنفيذية، حيث انه هو من يقوم بتسمية القضاة الا انه يتمتع بالاستقلال المالي والإداري.
في ذات السياق ، فان اعضاء المحكمة الدستورية “الهيكل الوحيد المراقب لرئيس الجمهورية ، يتم تسميتهم جميعا “9” بأمر منه و من قدماء الهيكل القضائي ، أي انهم على أبواب التقاعد، مما يجعلها تفتقر للاستقلالية .
و يدخل هذا الدّستور حيّز النّفاذ ابتداء من تاريخ إعلان الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عن نتيجة الاستفتاء النّهائيّة، وبعد أن يتولّى رئيس الجمهوريّة ختمه وإصداره والإذن بنشره في عدد خاصّ بالرّائد الرّسميّ للجمهوريّة التّونسيّة وينفّذ كدستور للجمهوريّة التّونسيّة.