تونس-افريكان مانجر
في أول رحلة رسمية له منذ تعيينه من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد على رأس الحكومة في غرة أوت 2023، توجه رئيس الحكومة أحمد الحشاني هذا الأسبوع إلى سويسرا ليتولى تمثيل تونس في “منتدى دافوس” أكبر و أهم لقاء اقتصادي عالمي يجتمع به سنويا حوالي 100 حكومة من دول العالم، ونحو ألف من شركاء المنتدى، بالإضافة إلى أكبر المؤسسات المالية و النقدية و أهم المستثمرين و الفاعلين الاقتصاديين الدوليين.
و قد انعقد منتدى هذه السنة تحت شعار “عادة بناء الثقة”، في وقت توصف فيه علاقات تونس مع أبرز المؤسسات المالية الدولية بالمضطربة و التي أبرزها صندوق النقد الدولي، فهل تمكن رئيس الحكومة رفقة وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية من إعادة بناء الثقة سيما و أن الحلقات الحوارية تناولت جملة من المواضيع الاقتصادية الراهنة؟
صندوق النقد الدولي
وخلال اليوم الأول، للمنتدى كان لرئيس الحكومة محادثة مع مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، حيث تم التطرق إلى مسار التعاون المالي والفني مع الصندوق، وقد أكد رئيس الحكومة أن تونس أوفت بجميع تعهداتها المالية الخارجية بعنوان سنة 2023، موضّحا أن بلادنا لن تتأخر عن تسديد ديونها الخارجية بعنوان سنة 2024.
واستعرض رئيس الحكومة المجهودات التي تبذلها بلادنا في مختلف المجالات والتي أدت إلى تحسن العديد من المؤشرات الاقتصادية والمالية، بالرغم من التحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا، مؤكدا أن تونس ماضية في مسار الإصلاحات التي تستجيب لإنتظارات الشعب التونسي ولمتطلبات الإقتصاد الوطني والسلم الإجتماعي.
و الجدير بالذكر، فان اللقاء مع مديرة صندوق النقد ليس فجئيا و انما هو لقاء تم التنسيق له مسبقا، في وقت توقفت فيه المحادثات معه عقب تصريحات رئيس الجمهورية التي أكد فيها رفضه تطبيق الإصلاحات التي تضمنتها وثيقة الإصلاحات المقدمة سابقا للصندوق و التي على أساسها سيتم صرف القرض.
ومن ناحيتها، اعتبرت كريستالينا جورجييفا أن تونس من بين الدول التي نجحت في تحقيق نتائج إيجابية على المستوى الاقتصادي والمالي بالرغم من الصعوبات التي واجهتها والناتجة أساسا عن عوامل خارجية، موضحة أن السياسة العامة للصندوق لا تعتمد على الإملاءات وتأخذ بعين الإعتبار خصوصيات كل دولة، معبرة عن انفتاحها على كل المقترحات في إطار التعاون مع بلادنا، وفق يلاغ لرئاسة الحكومة.
استراتيجية تعاون جديدة
وفي نفس الإطار، استعرض أحمد الحشاني، وفق بلاغ لرئاسة الحكومة، خلال لقائه مع رئيسة البنك الأوروبي للإعمار والتنمية أوديل فرانسواز باسو، الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية للحكومة وبرامج تمويل المشاريع الكبرى.
و أشادت المسؤولة الأوروبية بمستوى التعاون مع بلادنا، مفيدة أن البنك بصدد إعداد استراتجية التعاون مع تونس للفترة 2024-2029.
هذا والتقى رئيس الحكومة مع الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وامكيلي ميني، حيث تم التطرق إلى الفرص الإقتصادية المثمرة التي يوفرها هذا الفضاء الإقتصادي لدول المنطقة، والدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه تونس كفاعل أساسي في خلق القيمة المضافة في مجالات حيوية.
وكان لرئيس الحكومة لقاء مع رئيس الوفد السعودي المشارك في قمة دافوس وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، الى جانب
رئيس مجلس وزراء جمهورية العراق محمد شياع السوداني.
واستهل رئيس الحكومة اليوم الثاني من حضوره في أشغال المنتدى الاقتصادي العالمي، بمشاركة في حلقة نقاش حول التوجهات العملية في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ZLECAF، بحضور رؤساء وفود الدول الإفريقية وممثلي عديد المؤسسات والشركات الدولية.
وأكد خلال مداخلته على أن فضاء ZLECAF ليس فقط إطارا للتجارة الحرة، إنما يمثل فرصة لتسريع التحول الاقتصادي وتطوير سلاسل القيمة بالقارة الإفريقية ومحركا للتنمية المستدامة ومجابهة مخاطر التغيرات المناخية، كما أشار رئيس الحكومة إلى أن التحدي الأبرز للقارة الإفريقية يكمن في توفير التربية والتعليم للطاقات الشابة التي تزخر بها، حتى تتمكن من المساهمة الفعالة في الدورة الاقتصادية للقارة.
كما التقى برئيس الوفد الفلسطيبني ورئيس الصندوق الإستثماري الفلسطيني السيد محمد مصطفى، والذي أعرب له عن شكر الجانب الفلسطيني قيادة وشعبا على الموقف التونسي المبدئي والداعم للقضية الفلسطينية العادلة في كل مراحل تطورها.
كما كانت لرئيس الحكومة محادثة مع كاتالين نوفاك رئيسة دولة المجر، مثلت مناسبة للإشادة بالتطور الإيجابي الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين في عديد المجالات، لا سيما الاقتصادية والاستثمارية والأكاديمية.
ومن ناحيتها، ثمّنت الرئيسة المجرية المستوى الجيّد لعلاقات التعاون بين البلدين والقائمة على الإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، كما مثل اللقاء فرصة لتبادل الآراء حول التحديات التي تواجهها المنطقة الأورومتوسطية، لا سيما في مجال الهجرة.
كما تحادث مع نظيره البلجيكي الكسندر دي كرو، وثمّن المسؤولان المستوى الجيد للعلاقات الثنائية على عديد المستويات، وخاصة منها الاقتصادي والمالي بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات البلجيكية ببلادنا ودفع تدفّق السياح البلجيكيين إلى تونس، كما تم التطرق إلى موضوع العلاقات بين تونس والإتحاد الأوروبي علما وأن بلجيكيا تتولى حاليا رئاسة مجلس الإتحاد الأوروبي، وإلى تطور الأحداث بفلسطين المحتلة، حيث أكد رئيس الحكومة على موقف تونس الثابت لدعم القضية الفلسطينية.
وقد أجرى أحمد الحشاني محادثة مع مارك روت الوزير الأول الهولندي، حيث نوّه الطرفان بالمستوى المرموق للتعاون بين تونس وهولاندا في مجالات التنمية المستدامة والتكوين والتمكين الاقتصادي وتشغيل الشباب وتطوير المشاريع في قطاعات الفلاحة والتصرّف في المياه، وقد جدّد المسؤول الهولندي دعم بلاده لتونس صلب مؤسسات الإتحاد الأوروبي.
ومن جهة أخرى، التقى رئيس الحكومة مع المديرة العامة للمنظمة العالمية للتجارة انقوزي أوكنجو ايوالا، حيث تطرّق الجانبان إلى مختلف أوجه التعاون بين تونس والمنظمة وسبل مزيد تطويره وإثرائه خلال الفترة القادمة، ولا سيما الاستعداد للمؤتمر الوزاري القادم للمنظمة والمقرّر عقده في أبو ظبي.
كما كان له جملة من اللقاءات الهامة مع كل من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أطونيو قوتيريش، ورئيس رواندا بول كاقامي ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، والوزير الأول الكرواتي أندراي بلنكوفيتش، بالإضافة إلى المؤسس والمدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شفاب ورئيس المنتدى بورج براند.
أما اليوم الختامي لمشاركة رئيس الحكومة في أشغال الدورة 54 للمنتدى العالمي الاقتصادي، فقد جمع الحشاني لقاء مع هيلدا شفاب، شريك مؤسس للمنتدى ورئيسة “مؤسسة شفاب لريادة الأعمال ذات البعد الاجتماعي”، تم التطرق خلاله إلى واقع التعاون مع المؤسسة بتونس، لا سيما في مجال تشجيع الشباب على بعث المشاريع.
وقد أعربت شفاب عن الاهتمام الكبير لمؤسستها للتقدم الذي أحرزته تونس في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتمكين الاقتصادي، مشيرة إلى رغبة مؤسستها في برمجة أنشطة خلال الفترة القادمة بتونس.
ملف الأموال المنهوبة على طاولة دافوس
كما التقى الحشاني، مع رئيسة الكنفدرالية السويسرية فيولا أمرد، حيث ثمن الجانبان المستوى الجيد للعلاقات الثنائية، لا سيما في الميدان الاقتصادي والتعاون من أجل التنمية، بالإضافة إلى التعاون في مجال الهجرة، كما تطرق رئيس الحكومة إلى ملف الأموال المنهوبة والمجمدة بسويسرا، مؤكدا على الأولوية التي توليها بلادنا لإسترجاع هذه الأموال.
من جانبها أكدت رئيسة الكنفدرالية السويسرية على أن بلادها تتقاسم مع تونس نفس قيم الحرية وحقوق الإنسان والسلام، إضافة إلى المقاربة متعددة الأبعاد لموضوع الهجرة. كما أبدت اهتمامها بالتقدم الحاصل على مستوى العديد من المؤشرات الاقتصادية ببلادنا.
كما كان لرئيس الحكومة محادثة مع رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون در لاين، جرت في أجواء جيدة وودية وفي إطار من التفاهم والعزم المشترك على المضي قدما في تنفيذ مختلف محاور الشراكة الإستراتيجية، بما في ذلك الجانب الاقتصادي والمالي.
فرصة للترويج لتونس
و تعليقا عن مشاركة رئيس الحكومة في منتدى دافوس، اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، في تصريح إذاعي، ان أن تقرير منتدى دافوس هو مرجع اقتصادي في العالم يعتمده المستثمرون ورجال الأعمال لتحديد اتجاهات الاستثمارات الأجنبية.
وبين الشكندالي أن التقرير حدد لتونس سنة 2024 خمس مخاطر هامة، أولها الانكماش الاقتصادي ثم تنامي الدين العمومي و نقص امدادات المياه وهشاشة الدولة وعدم القدرة على الحد من التجارة الموازية ثم التضخم المالي.
وأوضح الخبير أن المنتدى ليس فرصة للحصول على التمويلات لسد الثغرة المالية ميزانية الدولة والمقدرة ب10.3 مليار دينار، أو فضاء للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، بل فرصة لتقديم تونس كمناخ أعمال ملائم لجلب المستثمرين الأجانب.