تونس-افريكان مانجر
عاش العالم سنة 2020 على وقع عديد الأحداث التي اقل ما يقال عنها أنها استثنائية بكل المقاييس و على جميع الأصعدة.
فكانت 2020 سنة صعبة اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا زادت من حدتها جائحة كورونا التي فرضت عديد الإجراءات الخاصة على غرار الحجر الصحي العام الذي أثر سلبا على كل القطاعات.
وتونس لم تكن بمعزل عن العالم و ربما كانت من بين الدول الأكثر تضررا من الجائحة خاصة و ان بلادنا شهدت هذه السنة عديد الأحداث السياسية و التغييرات في تركيبة الحكومة.
بداية سياسية بامتياز
بداية السنة في تونس كانت سياسية بامتياز حيث انطلقت بمشاورات ومفاوضات عسيرة لتشكيل حكومة للبلاد و في 10 جانفي 2020 مثلت حكومة مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي أمام البرلمان، لتعيش تونس إثرها على وقع حدث لم يشهده مجلس النوّاب من قبل وهي عدم منح الثقة لهذه الحكومة ورفضها من قبل 134 نائبا.
اثر ذلك فتحت الأبواب أمام الجدل السياسي، فلأول مرة في تونس بعد أحداث 2011، تعود مسؤولية تكليف الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية، بحسب ما ينص عليه دستور البلاد.
و بعد أيام من المشاورات، أعلنت رئاسة الجمهورية في 20 جانفي 2020، عن تكليف وزير المالية الأسبق الياس الفخفاخ بتكوين الحكومة وقد استقال من التكتل وقرر تكوين حكومة حزبية أقصى منها قلب تونس.
وفي جلسة برلمانية حاسمة وبعد مداولات امتدت لأكثر من 10 ساعات، نالت حكومة إلياس الفخفاخ ثقة البرلمان بأغلبية 129 صوتاً، ومعارضة 77 صوتاً، وتحفظ واحد، ليبدأ عمله في القصبة كرئيس للحكومة.
وفي خضم هذه الأحداث السياسية، أفاقت تونس في 27 جانفي 2020، على خبر رحيل الحقوقية لينا بن مهني.
وفي 30 جانفي، قررت دائرة الاتهام المختصة في قضايا الفساد المالي بمحكمة الاستئناف بتونس إصدار بطاقات ايداع بالسجن من جديد في حق كل من سامي الفهري والمتصرفة القضائية لشركة كاكتوس برود ووكيل شركة آيت برود.
الجائحة و الارهاب
و بالتزامن مع تولي حكومة الياس الفخفاخ مهامها، وفي 2 مارس 2020، أعلن وزير الصحة آنذاك عبد اللطيف المكي، عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في البلاد لدى كهل في الأربعينات من العمر عاد من ايطاليا في 27 فيفري.
و مع بداية شهر مارس ضرب الإرهاب من جديد في تونس حيث استهدفت عملية إرهابية يوم 6 مارس، دورية أمنيّة قرب السفارة الأمريكية بعد أن قام إرهابيان كانا على متن دراجة نارية بتفجير نفسيهما بحزامين ناسفين محاولان استهداف الأمنيين.
وبعد شهر من العملية و في 5 فريل 2020، أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل إرهابيين اثنين إثر عملية أمنية في ولاية القصرين.
و في 19 مارس سجلت تونس أول وفاة بكوفيد-19 ليتم اثر ذلك، الإعلان عن الحجر الصحي الشامل وفرض حظر التجول ليلا في 22 مارس لمحاصرة الوباء.
كما أعلن الياس الفخفاخ في 21 مارس 2020، عن جملة من الإجراءات لفائدة المؤسّسات الاقتصادية الصّغرى والمتوسّطة والنّاشطين الاقتصاديين لمساعدتهم في مجابهة تداعيات الفيروس التي بدأت تظهر شيئا فشيئا.
الا ان هذه القرارات، لم يتم تفعيلها كاملة على ارض الواقع ما اثار غضب عديد الفاعلين الاقتصاديين في البلاد.
وعاش اثر ذلك التونسيون فترة طويلة على وقع اجراءات استثنائية فرضتها الجائحةّ، حيث منعوا من التنقل بين الولايات و اغلقت المدارس و المعاهد و الجامعات ابوابها وتوقفت المقاهي و المطاعم عن العمل و اعتمدت بعض القطاعات نظام العمل عن بعد.
وأعلن وزير التربية محمد الحامدي في 29 أفريل 2020، رسميا عن انتهاء السنة الدراسية لكل المستويات التعليمية عدا البكالوريا.
كما تم الاعلان عن الغاء التظاهرات و المهرجانات لصائفة 2020 لتؤكد هذه السنة طابعها الاستثنائي.
صائفة ساخنة
وبحلول الصائفة و رغم بداية استقرار الوضع الوبائي في البلاد، بدأت الأجواء السياسية في التشنج من خلال قضية تضارب المصالح لرئيس الحكومة الياس الفخفاخ التي بدأت تلوح في الأفق اثر سؤال في حوار تلفزي حول حقيقة امتلاكه أسهمًا في إحدى الشركات المتعاملة مباشرة مع الدولة في قطاع البيئة و الذي سرعان ما تحول الى جدل واسع تدخلت فيه عديد الأطراف من بينهم النائب ياسين العياري الذي تحدث في تدوينة نشرها على صفحته فايسبوك عن رفعه قضية ضد الفخفاخ تتعلق بتضارب المصالح.
ثم تولت هيئة مكافحة الفساد التحقيق في المسألة وفي 30 جوان أعلنت عن ثبوت تضارب المصالح.
وفي منتصف جويلية، قدم الياس الفخفاخ استقالته لرئيس الجمهورية وواصل عمله كرئيس حكومة تصريف أعمال الى غاية تكليف اخر من قبل رئيس الدولة.
وفي الاثناء، قام الفخفاخ باقالة 9 وزراء من النهضة من بينهم وزير الصحة عبد اللطيف المكي بالرغم من دقة الوضع الصحي ثم أعلن عن إقالة العميد شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد.
وبالرغم من دقة الوضع العام في البلاد، عاش البرلمان بدوره عديد الأحداث الاستثنائية و الاعتصامات تحت قبة البرلمان على غرار اعتصام كتلة الدستوري الحر في 22 جويلية لينتهى الشهر بجلسة تاريخية وهي جلسة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي والتي صوت فيها 97 نائبا مع سحب الثقة و 16 نائبا ضدها.
وفي 25 جويلية أعلن رئيس الجمهوريّة تكليف وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ، هشام المشيشي، بتشكيل الحكومة الجديد على أن تكون حكومة غير سياسية وهو ما رفضته حركة النهضة التي طالبت بحكومة حزبية.
وانطلق المشيشي في المشاورات حيث تمكن من الحصول على ثقة البرلمان بالأغلبية المطلقة ليؤدّي اثرها اليمين الدستوري أمام رئيس الجمهورية في 3 سبتمبر 2020 .
الحكومة جديدة
المسؤولية امام الحكومة الجديدة لم تكن هينة بالمرة، خاصة مع تأزم الوضع الاقتصادي و بداية الاحتجاجات في الجهات حيث تمیز المناخ العام في البلاد طیلة شھر اكتوبر بتواصل حالة التأزم الشاملة في مختلف المجالات صحیا وسیاسیا واقتصادیا واجتماعیا وأمنیا وایضا اتصالیا من حیث تعثر الحكومة في اعتماد خطاب تواصلي مطمئن یفسر لعامة الناس الوضع ویشرح مقترحات الحلول، وفق المرصد الاجتماعي التونسي.
وقد قرّر المشيشي في 13 اكتوبر الماضي إقالة والي القصرين على خلفية بعض الإحتجاجات بالجهة إثر وفاة شخص داخل كشك تمّ هدمه من قبل البلدية وهو بداخله.
اما شهر نوفمبر، فميزته خاصة احداث الكامور التي انتهت بإمضاء اتفاق أنهى أزمة وقف ضخ النفط بحقول الجنوب التونسي و لكنه فتح باب الاحتجاجات في الجهات التي تطالب كذلك بحلول لازمتها الاقتصادية و الاجتماعية.
حكومة المشيشي و بالرغم من عمرها الذي لم يتجاوز بعد3 أشهر، شهدت إقالات بسبب شبهات فساد أثارها ملف النفايات الايطالية الذي تم كشفه خلال شهر نوفمبر، وبعد جلسات استماع في البرلمان و تحقيقات، قرر رئيس الحكومة هشام المشيشي، في 12 نوفمبر، إعفاء مدير عام الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ثم و بتاريخ 20 ديسمبر الجاري تم إعفاء وزير الشؤون المحلية والبيئة مصطفى العروي من مهامه، وتكليف وزير التجهيز والإسكان والبنية التحتية كمال الدوخ بالإشراف على وزارة الشؤون المحلية والبيئة بالنيابة.
و يشار الى ان المشيشي قرر في 5 أكتوبر 2020، إعفاء وزير الثقافة وليد الزيدي من مهامه وتكليف وزير السياحة حبيب عمار بتسيير وزارة الثقافة بالنيابة بعد رفضه لقرار رئيس الحكومة المتعلق بمنع التظاهرات الثقافية، وقال إن وزاراته هي وزارة ثقافة وليست وزارة تنفيذ بلاغات الحكومة.
كما تم نهاية الأسبوع الماضي ايقاف رئيس حزب قلب تونس ومالك قناة نسمة نبيل القروي من قبل القطب القضائي والمالي وذلك بتهمة تبييض الاموال.
احصائيات كورونا
و يشار الى انه وفق آخر معطيات صادرة عن وزارة الصحة بتاريخ 28 ديسمبر، فان العدد الجملي للإصابات منذ بداية الجائحة وصل إلى 134802 إصابة في ما بلغ إجمالي الوفيات المبلغ عنها بكورونا 4570 حالة.
كما حملت الأيام الأخيرة من سنة 2020، سلالة جديدة من كوفيد-19، تعتبر وفق منظمة الصحة العالمية أكثر حدة باعتبار سرعة انتقال العدوى بها، الا انه وفق وزارة الصحة فانه الى غاية كتابة هذه الأسطر فان تونس لم تسجل أي إصابة بالسلالة الجديدة للفيروس.
و الجدير بالذكر، انه بالرغم من كل الصعوبات التي جلبها عام 2020 الى تونس و العالم، إلا أن الأمل في سنة قادمة أفضل يبقى قائما خاصة و أن اللقاح ضد كوفيد-19 يتطور في الأشهر الأخيرة من هذه السنة على أمل حصول بلادنا على جرعات منه منتصف 2021.
تحليل وجيه ان شاء الله السنة الجديدة تكون انطلاقة جديدة لكل الانشطة في البلاد