تونس-افريكان مانجر
تستعد شركات التجارة الدولية إلى الخروج نهائيا من تونس أو تغيير طبيعة نشاطها الذي انطلقت في ممارسته منذ سنوات طويلة وذلك بسبب الإجراءات الواردة في الفصل 52 من قانون المالية لسنة 2022 وما ستتسبب فيه من إشكاليات لهذا الصنف من الشركات، بحسب ما أكده زياد الجوادي نائب رئيس الغرفة النقابية الوطنية لشركات التجارة الدولية بالاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية.
وأوضح، الجوادي في حوار مطوّل لافريكان مانجر، ان حوالي 1000 شركة تعمل في مجال التجارة الدولية بدأت فعليا في اتخاذ الخطوات العملية اللازمة للتعبير عن رفضهم لهذا الفصل القاضي بحذف نظام توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة لشركات التجارة الدولية ومؤسسات الخدمات المصدرة، حيث أوقفت هذه الشركات نشاطها كليا طيلة شهر جانفي وقامت بمراسلة الجهات المعنية لإيقاف العمل بهذا الفصل أو تأجيل تنفيذه.
خسارة
واستنادا لما أكده الجوادي، فان عملية إيقاف النشاط منذ بداية سنة 2022 أي منذ صدور قانون المالية تسبب في خسارة صادرات بقيمة 375 مليون دينار، وهي خسارة تتحملها الشركات و الدولة على حد السواء.
ولفت إلى أن هذه الشركات التي تحتل مكانة هامة في مجال التصدير في تونس و لها وزن على مستوى الأسواق الدولية مهددة بفقدان مكانتها فضلا عن أن هذا الإجراء سيُضعف قدرة هذه الشركات التنافسية مقارنة بالأسواق الدولية التي تتميز بإمكانيات لوجستية عالية.
كما ستضطر شركات التجارة الدولية في تونس إلى التخفيض من وتيرة التصدير.
واعتبر أن مطالبة شركات التصدير الدولية بدفع 19% من رقم معاملاتها بعنوان الاداءات المستوجبة قبل ممارسة النشاط سيزيد من إشكاليات التمويل التي تواجهها وسيخلق صعوبات كبرى لديها على مستوى السيولة فضلا عن أن ذلك سيحول دون توسعة مجال نشاطها و تطوير المؤسسة.
وشدد الجوادي على أن شركات التجارة الدولية تراجع عددها بسبب أزمة كوفيد-19، حيث كانت في حدود 5 ألاف شركة سنة 2020 و حاليا لا يوجد الا 1000 شركة أصبحت بدورها مهددة إما بالمغادرة النهائية نحو بلدان أكثر مرونة و شفافية و استقرار قانوني أو بتغيير صبغة النشاط، لافتا إلى أن البعض من هذه المؤسسات لها راس مالي أجنبي ما يجعلها قادرة و بسهولة على مغادرة البلاد، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية التي تعرفها هذه المؤسسات ستلقي بظلالها على المصانع التونسية حيث تتعامل شركات التجارة الدولية مع جميع المصانع في مختلف الاختصاصات.
وأوضح، أن توقف أو تراجع وتيرة التصدير سيجعلهم مهددون بفقدان الأسواق الدولية و قد تحتل مكان منتوجاتهم بضاعة أخرى من البلدان المنافسة.
وأكد محدثنا، أن القطاع في سباق مع الزمن وإيقاف النشاط لمدة طويلة سيتسبب في خسارة تونس لمكانتها في الأسواق الدولية وقد يتوجه حرفاء تونس خاصة من إفريقيا جنوب الصحراء إلى أسواق بلدان أخرى و التي في صدارتهم مصر و المغرب و تركيا و الجزائر باعتبار أن شركات التجارة الدولية التونسية ستصبح غير قادرة على تلبية رغباتهم، وفق تقديره.
وخلص إلى أن حوالي 4500 مليون دينار صادرات مهددة بالاندثار في صورة عدم إيجاد حل عملي و سريع للخروج من الأزمة الراهنة إلى جانب أن هذه الشركات بعضها سيغير صبغة نشاطه و البعض الآخر سيُغلق أبوابه و سيتسبب في خسارة مواطن الشغل و لن تبقى إلا كبرى الشركات التي لا تعاني من أزمة في التمويل و لكنها لا تمثل سوى 5% من القطاع.
تونس مختصة في الأسواق الصعبة
و في معرض حديثه، عن عمل شركات التجارة الدولية ابرز زياد الجوادي، أنها تؤمن أكثر من 80 بالمائة من صادرات تونس نحو السوق الإفريقية جنوب الصحراء رغم عديد الصعوبات و الحواجز خاصة منها اللوجستية، وهو ما يجعل من هذه الشركات مختصة في الأسواق الصعبة، بالإضافة إلى أنها تزود العديد من المؤسسات الصناعية المنتصبة بتونس والمصدرة كليا،.
كما يمثل القطاع نحو 10 بالمائة من جملة الصادرات التونسية نحو الخارج بشكل عام.
وبين محدثنا، أن هذه الشركات كانت قبل سنة 2022 تشتغل وفق إجراءات محددة لضمان قدرتها التنافسية، دون الأداء على القيمة المضافة و تتم عمليات شراء المنتوجات باعتماد شهادة مسلمة من مكتب الاداءات أو بإذن تزود مختوم من إدارة الجباية و كل مخالفة لهذه الاجراءات تُعرض صاحبها الى عقوبات تصل إلى سحب الرخصة و إيقاف شهادة العمل.
وتابع، “هذه السنة، رأى المشرع التونسي أن يُوقف العمل بحذف الأداء على القيمة المضافة و طالب شركات التجارة الدولية بدفع معاليم التصدير عند القيام بعملية الشراء في حين ان عملية البيع تتم دون أداء، فضلا عن ان هذه الشركات أصبحت مطالبة بدفع 19% من رقم معاملاتها مسبقا ثم تنتظر استرجاعها لاحقا من طرف الدولة وهو ما سيخلق إشكاليات كبرى على مستوى السيولة و التمويل”، وفق قوله.
وشدد الجوادي على أن شركات التجارة الدولية تقوم بدفع 25% ضريبة سنويا وهو ما يؤكد إنهم لا يتمتعون بامتيازات استثنائية.
و اعتبر، انه كان من المفترض أن تعمل الدولة على دعم مناخ الاستثمار بشكل عام ودعم شركات التصدير و ليس خلق مزيد من الإشكاليات و الصعوبات خاصة و أن هذا القطاع يساهم في توفير العملة الأجنبية للبلاد.
الحلول
و بخصوص الحلول التي يجب اعتمادها للخروج من الوضع الحالي، دعا نائب رئيس غرفة التجارة الدولية زياد الجوادي إلى تأجيل العمل بالفصل 52 من قانون المالية، مشيرا إلى انه و بعد مرور حوالي شهر من صدور القانون فان النصوص الترتيبية التي توضح عملية تطبيقه لم تصدر بعد وهو ما يطرح عديد نقاط الاستفهام.
كما اعتبر أن تأجيل تنفيذ القانون ممكن حسب الفصل 8 من مجلة الأداء على القيمة المضافة، لافتا إلى ضرورة إعادة النظر في القانون بشكل يضمن حق الدولة و شركات التجارة الدولية في آن واحد.
وفي سياق متصل، أفاد الجوادي أن تطوير مناخ الاستثمار بشكل عام و تطوير مجال عمل شركات التجارة الدولية، يتطلب اعتماد الرقمنة كآلية لضمان الشفافية و حسن استغلال الموارد البشرية، مشيرا إلى أن غرفة التجارة الدولية راسلت سابقا الجهات المعنية في هذا الصدد دون التوصل إلى نتيجة.
وبحسب محدثنا، فان تطوير مناخ الاستثمار في تونس يتطلب أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في آليات العمل المعتمدة عبر خلق مناخ أعمال مستقر و قادر على استرجاع الثقة بين المشرع و أصحاب المؤسسات و يهدف إلى تشجيع الشركات التي تشتغل بصفة مسترسلة على خلق الثروة و خلق اقتصاد موجه للتصدير وذو قدرة تنافسية عالية.
تعليقات 1