تونس-افريكان مانجر
ليست هي بزيارتي الاولى مع وزارة الدفاع الوطني , لكن هذه المرة كانت غير سابقاتها , زيارة كانت لاقصى الجنوب الشرقي للجمهورية التونسية و بالتحديد للمنطقة العسكرية العازلة على الحدود التونسية-الليبية .
رحلتنا انطلقت كالعادة لوجهة مجهولة صباح يوم الاربعاء 13 افريل 2016 على الساعة الخامسة صباحا من العاصمة لننتقل الى الثكنة العسكرية بالعوينة و نسافر عبر الطائرة العسكرية “ج130″نحو مطار جربة الدولي , نفس الطائرة نقلت يوم هجوم بن قردان على جناح السرعة فرق من القوات الخاصة باسلحتهم و معداتهم للتدخل في العملية.
بعد ساعة من السفر نصل الى جزيرة جربة لنجد هنالك حافلة ستاخذنا لوجهتنا الاساسية .
رحلة برية دامت فوق الثلاث ساعات على اعتبار محدودية امكانيات الحافلة التي استقلها الوفد الاعلامي الا انها كشفت لنا مدى معاناة جناودنا البواسل و صبرهم على ما يقدم لهم من امكانيات دون تذمر او احتجاج .
كلما اقتربنا من المكان كلما ارتفعت درجات الحرارة لتصل الى الاربعين درجة , حرارة لا يمكن ان تمثل واحد بالمائة من حرارة الصيف ,لنتخيل ما يمكن ان يشعر به جندي يبقى في تلك الظروف المناخية مع رياح رملية يحرس ارض الوطن بعيدا عن اهله و ذويه .
نصل الى المنطقة العازلة على الساعة الحادية عشر, لنجد جنودنا بكل رتبهم في انتظارنا امام خيمة كبيرة حاولوا من خلالها حمايتنا من الشمس و الرمال ,انطلق عملنا عبر عرض غاب عنه امر التركيبة الدفاعية بالجنوب العقيد مراد المحجوبي الذي اصيب في عملية بن قردان الاولى , فقدم لنا من ينوبه العرض متمنيا لزميله الشفاء العاجل .
انطلق العرض بتقديم لمحة عن تاريخ الفوج 33 الذي تاسس في اوت 1976 و مهامه الاساسية التي من اهمها الدفاع عن حرمة الوطن و حماية الشريط الحدودي من اخطار التسلل و التهريب من الاتجاهين التونسي و الليبي .
لم ينسى امر الفوج بالنيابة تذكيرنا بنجاحات الجيش الوطني في عملية هجوم بن قردان الاخيرة يوم 7 مارس و التي استهدف فيها الارهابيون الثكنة العسكرية و مناطق حساسة بالمدينة مشيرا الى المجهوات المشتركة بين قوات الجيش و الامن و الحرس التي افشلت مخطط اقامة امارة في بن قردان .
بعد العرض كانت وجهتنا زيارة ميدانية للمنطقة العازلة او ما يمكن وصفها بالمنطقة القاحلة , منطقة لا نرى فيها سوى الصحراء و بعض النباتات , وسكونا كسرته قوات جيشنا بتنفيذ تمرين عسكري لعملية بيضاء تصور لنا كيفية تصدي الجيش التونسي لمحاولة اختراق للحدود ,عرض حي يجسم لنا ما تعيشه قواتنا المسلحة يوميا من مجهودات لحماية امن بلادنا .
بعد زيارتنا المعبر الحدودي راس الجدير و الوحدات العسكرية و الساتر الترابي الذي تم استكماله مؤخرا تبادر الى ذهني عند رؤية وجود جنود قد اسمرت بالشمس الحارقة الى شعار يتعلمونه منذ اختيارهم ان يكونوا حماة للوطن “شعار الحياة عقيدة او جهاد” …نعم عرفت عندها معنى هذا الشعار الذي لطالما رددوه امامي في الاكاديمية العسكرية فالحياة لدى جنودنا ليست كبقية الشعب فهي “جهاد في سبيل الوطن و عقيدتهم حماية الوطن” .
لا اجد اصدق منهم في تنفيذ قسم يرددونه كل صباح :”اقسموا بالله العظيم أن أتفانى في خدمة الوطن و الدفاع عن حوزته و حماية مؤسساته الشرعية و مكاسبه من كل خطر آو عدوان داخلي آو خارجي وان احترم قوانين الدولة و أقوم بعملي بكل شرف و أمانة في كنف الطاعة و الانضباط كي تبقى تونس حرة منيعة ابد الدهر …ابد الدهر …ابد الدهر .
بعد رؤية اصرارهم على تحدي كل الظروف و نقص في ابسط متطلبات العيش , و بعد عن الاهل , و تهديدات ارهابية , تاكدت ان تونس في ايادي امينة لتبقى حرة منيعة بفضل جنود رغم كل الصعوبات رسموا لنا ابتسامة فخر و شموخ عند توديعنا قائلين لنا سرا اطمأنوا نحن حصنكم المنيع و نحن حماة هذا الوطن .
عدنا الى ديارنا تاركينا رجال قواتنا المسحلة الباسلة الذين عانقوا بهاماتهم الشامخة قمم المجد، وسطروا في سفر التاريخ صفحات مشرقة تقود الأجيال إلى درب البطولة والتضحية والفداء ليسيروا عليها بخطى واثقة نحو تحقيق النصر .