تونس-أفريكان مانجر
بعد فترة من “الهدنة” على مستوى التّرفيع من أسعار الموّاد الإستهلاكيّة، تطفح مجدّدا دعوات متكّررة من قبل اتّحاد الصّناعة والتّجارة واتّحاد الفلاّحين للتّرفيع في أسعار الحليب انتاجا وتصنيعا، مهدّدين بتوقيف الانتاج في جميع مراحله ان لم تستجب الحكومة الى مطلبهما قبل غرّة سبتمبر المقبل (وذلك وفق بيان مشترك بينهما) وهي نفس وسيلة الضّغط التي تمّ اتّباعها سابقا للتّرفيع في أسعار الطّماطم، هذا الى جانب مطالبة المهنيين بالتّرفيع في أسعار القهوة كحلّ مبدئي الى حين تحرير أسعارها تماما في فترة لاحقة.
هذه المطالب بالتّرفيع في أسعار الحليب بـ 40 ملّيم، لم توافق عليها وزارة التّجارة وقد أعلنت في مختلف وسائل الإعلام -سواء على لسان النّاطق الرّسمي باسمها محمد عليّ الفرشيشي أو على لسان وزيرة التّجارة نجلاء حرّوش- عدم نيّتها في التّرفيع في تسعيرة مادّة الحليب، غير أنّ “أفريكان مانجر” علمت من مصادرها الخاصّة أنّ هذه الزّيادة سيتمّ تفعيلها في الأيّام القليلة القادمة، حيث تسلّط الجهات المعنيّة ضغوطات كبيرة على وزارة التّجارة للموافقة على التّرفيع في سعر الحليب بقيمة تفوق الـ 40 ملّيم، خاصّة وأنّ المهنيين يعلمون أنّ إصرار وزارة التّجارة على عدم التّرفيع في أسعار الحليب سيضطرّها الى توريد الحليب بالعملة الصّعبة وتونس وضعها المالي والاقتصادي لا يحتمل ذلك، كما أنّ الفلاّحين سيضطرّون الى اتلاف منتوجاهم الشّيء الذي من شأنه أن يتسبّب لهم في خسائر فادحة.
رفض قطعي للزّيادة في الأسعار
وفي هذا الإطار، عبّر رئيس منظّمة الدّفاع عن المستهلك سليم سعد الله نائب في تصريح لـ “أفريكان مانجر” عن رفضه القطعي لأيّ زيادة في أسعار الموّاد الاستهلاكيّة وخاصّة الحليب، مبرزا أنّ مثل هذه المطلبيّة وهذا الأسلوب في التّعامل (التّهديد بتوقيف الانتاج في جميع مراحله) غير مقبول بالمرّة، حيث أنّ قرابة 70 بالمائة من المستهلكين مقدرتهم الشرائيّة تدهورت جدّا، وأصبح من غير الإمكان إثقال كاهلهم بمزيد التّرفيع في الأسعار، ولهذا طالبت المنظّمة الحكومة بعدم الرّضوخ لهذه المطالب التّي من شأنها أن تضعف الدّولة وتمسّ من دورها التّعديلي وتغذّي الفوضى في الأسواق…
وحول نفس الموضوع، قال الخبير الاقتصادي رضا قويعة في تصريح لـ “أفريكان مانجر” إنّ المستهلك التّونسي تعوّد على تفعيل الزّيادات في الأسعار خلال فصل الصّيف (فترة مناسبة للزّيادة نظرا لانشغال المواطن بالمهرجانات والأفراح…)، غير أنّ التّهديد بتوقيف انتاج الحليب في صورة عدم تفعيل الزّيادة على حدّ تعبيره عمليّة “ابتزازيّة” وغير سليمة، تهدف أساسا للضّغط على وزارة التّجارة للتّرفيع في أسعار الحليب، وإلاّ سيضطرّ الفلاّحين الى اتلاف كميات كبيرة من الحليب وبالتّالي تسجيل خسائر ماديّة ضخمة، خاصّة وأنّ البقرة الحلوب بلغ سعرها ما بين 3 و4 الاف دينار (وهو مبلغ يستوجب استرجاعه من انتاج الحليب والا تكون تربية البقر ليست في صالح الفلاّح) الشّيء الذي من شأنه أن يخلق مشاكل اجتماعيّة، كما أنّ وزارة التّجارة ستضطرّ الى توريد كميّات كبيرة من الحليب بالعملة الصّعبة، وهو ما سيخلق مشاكل اقتصاديّة اضافيّة.
تفاقم التّضخّم سببه ارتفاع أسعار الموّاد الإستهلاكيّة
وفي سياق متّصل، أضاف محدّثنا أنّ أسعار الموّاد الإستهلاكيّة أصبحت مشطّة جدّا، وهذا أثّر على الطّاقة الشّرائيّة للمستهلك التّونسي وحسب إحصائيات سنة 2014 ارتفاع الأسعار أو تفاقم التّضخّم سببه ارتفاع أسعار الموّاد الإستهلاكيّة بصفة غير معقولة، الشّيء الذي انعكس على الطبقة المتوسّطة والضّعيفة ودفع الى المطالبة المستمرّة بالتّرفيع في الأجور، ورغم مشروعيّة هذا مطلب، غير أنّ ذلك أثّر بشكل كبير في تراجع الرّغبة في الاستثمار على حدّ تعبيره.
وعن الحلول، أوضح الخبير الإقتصادي أنّه يمكن تفعيل زيادة معقولة تتماشى وتتلاءم مع كلّ الفئات، مبرزا أنّ الزّيادة المشطّة من شأنها أن تدفع المستهلك الى الاحتجاج والاحتقان، حيث أنّ أيّ زيادة مشطّة في الظّرف الحالي من شأنها أن تتسبّب في انهيار الطّاقة الشّرائيّة للمواطن التّونسي، كما أنّ عدم التّرفيع في أسعار الحليب من شأنها أن تضرّ بالفلاّح الذي ارتفعت تكاليف انتاجه للحليب وتضرّ بالمصنّع الذي ارتفعت لديه تكلفة اليد العاملة وارتفعت لديه تكلفة الكهرباء والمحرّكات…
المنافسة الفعليّة في تونس غير موجودة
من جهة أخرى، بيّن الخبير الإقتصادي وجدي بالرّجب في تصريح لـ “أفريكان مانجر” أنّ أيّ زيادة في أسعار الحليب ستتسبّب في زيادة في أسعار مشتقّاته، وهذا من شأنه أن يؤثّر على المقدرة الشّرائيّة للمستهلك التّونسي ويزيد من تعميق أزمته الماليّة والإقتصاديّة.
وفي سياق اخر، وحول مسألة التّرفيع في أسعار المشروبات السّاخنة وتحرير أسعار القهوة، أوضح محدّثنا أنّ مثل هذا الاجراء جيّد إذا توفّر عنصر المنافسة، مضيفا أنّ المنافسة الفعليّة في تونس غير موجودة، ولذلك سينجرّ على تحرير أسعار القهوة خروج المقاهي عن السّيطرة (والتي يتجاوز عددها الـ 24 ألف مقهى) وخاصّة منها المقاهي الجامعيّة والشّعبيّة، ولذا دعا الخبير الإقتصادي المستهلكين عند تحرير القهوة أو حتّى الان الى مقاطعة المشروبات السّاخنة في صورة تجاوز أسعارها الحدّ المعقول، مع الإشارة الى أنّ التّجاوزات حاصلة في المقاهي منذ فترة وقد رصدت منظّمة الدّفاع عن المستهلك عدد كبير من المقاهي التّي رفّعت في تسعيرتها دون ترخيص من وزارة التّجارة على حدّ تعبير نائب رئيس منظّمة الدّفاع عن المستهلك.
وفي هذا الإطار، قال سليم سعد الله إنّ المنظمة رصدت عديد التّجاوزات في المقاهي خاصّة على مستوى التّرفيع في أسعارها بصفة تلقائيّة وفرديّة دون الحصول على ترخيص من قبل وزارة التّجارة، حيث بلغ سعر القهوة 800 و850 مليم بدل 550 ملّيم، مبرزا أنّ المنظّمة ترفض رفضا قطعيّا الزيادة في أسعار القهوة، نظرا لترجع المقدرة الشّرائيّة للمواطن التّونسي.
يذكر أن المكلف بالإعلام بوزارة التجارة محمد علي الفرشيشي كان قد أكد يوم الجمعة 15 اوت 2014 في تصريح اذاعي أن الترفيع في سعر مادة القهوة يأتي في اطار السعي الى تحريرها تدريجيا، مبيّنا أن الوزارة عقدت اجتماعا مع المهنيين من أجل عقلنة الأسعار وتم الإتفاق على المحافظة على أسعار المشروبات الساخنة الأكثر استهلاكا .
هدى