تعمل وزارة الاستثمار والتعاون الدولي خلال هذه الفترة على تشريك مختلف مكونات المجتمع المدني من منظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل والجامعة العامة للشغل وهيئة الخبراء المحاسبين وعدد من الخبراء والكفاءات…قصد الاستماع إلى مجمل آراء ومقترحات الأطراف المذكورة فيما يتعلق بمضامين مجلة التشجيع على الاستثمار الجديدة التي يتوقع عرضها على أنظار المجلس الوطني التأسيسي قبل موفى السنة الحالية.
وفي هذا الإطار حاور “أفريكان مانجر” المستشار الجبائي و الأستاذ الجامعي,محمد الصالح العياري لتسليط الضوء أكثر على ثغرات المجلة السابقة وأهم المقترحات خاصة المتعلقة منها بالامتيازات الجبائية.
1-في إطار مراجعة مجلة الاستثمار هناك من يقول أن الوقت حان لمراجعة الاعفاءات الجبائية التي لم يعد لها جدوى. ما رأيك؟
في حقيقة الأمر لم تكن تمثّل الإعفاءات الجبائيّة في أيّ وقت من الأوقات المحرّك الأوّل للاستثمار والهدف الأساسي الّذي يبحث عنه المستثمرون الأجانب هو مناخ استثمار ملائم وبنية تحتيّة مهيكلة و يد عاملة كفؤة وإدارة سريعة ومتطوّرة وسلم اجتماعيّة واستقرار سياسي …
وقد أكّدت المؤسّسات المالية العالميّة مثل البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي أنّ الامتيازات والحوافز لا تأتي في المراتب الأولى في سلّم الأولويّات بالنّسبة للمستثمرين الأجانب بل تأتي في المرتبة السّابعة تقريبا وذلك بعد توفر عناصر مناخ الاستثمار عموما.
ولكن وأمام الامتيازات الجبائيّة والماليّة المتعدّدة ، تفنّن عديد المستثمرين (أو لنقل شبه المستثمرين) في اصطياد الفرص للحصول على منح (chasseurs de primes) وذلك بتضخيم حجم الاستثمارات في أغلب الأحيان ودون البحث بصفة جديّة على تطوير المشروع وخلق أكثر ما يمكن من مواطن الشّغل .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ الجدوى الحقيقيّة ليست في إسناد المنح والامتيازات ولكن في خلق مناخ ملائم للاستثمار خاصّة في مناطق التنمية الجهويّة والمتمثّلة بالأساس في تهيئة المناطق الصّناعيّة والطّرقات السّريعة وإيجاد ظروف الحياة المريحة الّتي تتوفّر فيها كلّ مستلزمات العيش الكريم مثل بناء المدارس والكليّات والمستشفيات والنّزل ودور السّينما …إلخ وذلك لكي لا يشعر المستثمر بأنّه يعيش في محيط غريب عنه بل يكون المناخ مناخا يطيب فيه العيش .
2- ماهي انعكاسات هذه المراجعة الجبائية على ميزانية الدولة؟
بطبيعة الحال إذا تمّ إعطاء الأولويّة لإعداد البنية التّحتيّة وخلق مناخ الاستثمار الملائم ،فإنّ التقليص من الإعفاءات والحدّ من الامتيازات ، باعتبار أنّه لا يمكن حذفها تماما بين عشيّة وضحاها ، سيؤدّي حتما إلى التّرفيع في موارد ميزانيّة الدولة .
ولكن وعلى المدى القصير ، فإنّ الموارد الإضافيّة الّتي ستنجرّ عن التخفيض في الإعفاءات والمنح، سيقع استعمالها لتدعيم البنية التّحتيّة ولكي تتولّى الدّولة القيام باستثمارات هامّة تكوّن القاطرة الفعليّة لجلب المستثمرين الخوّاص تونسيّين كانوا أم أجانب باعتبار أنّ المستثمر الاجنبي سيقبل على بعث المشاريع كلّما سبقه في ذلك المستثمر التّونسي خاصّة في مناطق التّنمية الجهويّة لأنّه سيكون مطمئنا أكثر على الأموال الّتي سيقع استثمارها .
إنّ الطريقة المثلى لدفع عجلة الاستثمار والنموّ تمرّ حتما عبر الاستثمارات العملاقة الّتي تقوم بها الدّولة في مرحلة أولى ليتبعها في مرحلة ثانية المستثمر التّونسي لتكتمل المنظومة في مرحلة ثالثة وذلك بإقبال المستثمر الأجنبي على خلق المشاريع كلّما شعر بأنّ الظروف ملائمة لنجاح عمليّة الاستثمار .
وبالتّالي وعلى المدى المتوسّط والطويل ، وبعد القيام بكلّ أشغال التهيئة الضرّوريّة المتعلّقة بالبنية التّحتيّة وخلق المناخ الملائم للاستثمار ، سيكون للتقليص من الإعفاءات والامتيازات تأثير مباشر على تنمية موارد ميزانيّة الدّولة وذلك إضافة إلى الموارد الجبائيّة الهامةّ الّتي ستدرّها المؤسّسات الأجنبيّة أو التّونسيّة الّتي ستكثّف بعث المشاريع وإنجاز الاستثمارات في شتّى المجالات وخلق العديد من مواطن الشغل الإضافيّة.
3- هل لديكم تصورات ومقترحات متعلقة بمجلة التشجيع على الاستثمار الجديدة لتستجيب لانتظارات الاطراف المعنية؟
بادئ ذي بدء ، يجب التأكيد على أنّ عبارة “التّشجيع” سيقع حذفها من المجلّة الجديدة لتصبح “مجلّة الاستثمار” وهذا أكبر دليل على أنّ التوجّه الجديد لا يعطي الأولويّة المطلقة لإسناد الإعفاءات والامتيازات والحوافز ، بل سيؤكّد على خلق الظروف الملائمة لدفع الاستثمار وذلك بتحسين محيط الاستثمار وإيجاد الآليّات الكفيلة لدفع عجلة النموّ.
أمّا عن المقترحات والتّصورات الكفيلة بدفع الاستثمار فيمكن تلخيصها في المحاور التّالية :
– تكثيف المناطق الصّناعيّة بكلّ الجهات وتهيئتها حتّى يجد المستثمر الإطار الملائم لإنجاز مشروعه في ظروف طيّبة .
– مبادرة الدّولة بإنجاز استثمارات هامّة بالمناطق الدّاخليّة لتفتح الطّريق أمام المستثمرين التّونسيّين والأجانب لبعث المشاريع .
– الرّبط بين الجهات الدّاخليّة والجهات الأكثر نموّا خاصّة على الشريط السّاحلي لتكون المشاريع أكثر نجاعة ومردوديّة .
– تحسين البنية التّحتيّة وذلك ببناء الطرقات السّريعة وربط شبكة السكّة الحديديّة مع أكثر ما يمكن من الجهات الدّاخليّة وذلك لتسهيل عمليّات تنقّل الاشخاص ونقل السّلع والبضائع في أسرع وقت ممكن .
– القيام بدراسات معمّقة لتحديد خصوصيّة كلّ جهة من المناطق الدّاخليّة وذلك لتوفير أكثر ما يمكن من ظروف النّجاح للمشاريع الموجّهة للتنمية الجهويّة .
– الحدّ من البيروقراطيّة وتطوير عمل الإدارة لتصبح إدارة عصريّة ومتطوّرة تلبّي حاجيّات المستثمرين وتساندهم في إنجاز مشاريعهم .
– إعادة النّظر في المعاملات مع البنوك وشركات الاستثمار وشركات الإيجار المالي لتصبح سندا حقيقيّا للمستثمرين لتمويل المشاريع لا لمجرّد متفرّج على الرّبوة يجحف في طلب الضّمانات وينتظر تحقيق الأرباح دون مساعدة المستثمر على تجاوز الصّعوبات الّتي تعترضه ودون القيام بالمتابعة الضّروريّة حتّى تضمن للمشروع أدنى حدّ من النّجاح والاستمراريّة .
– التّشجيع على بعث المشاريع ذات القيمة المضافة العالية الّتي يكون لها تأثير هامّ على بعث عدد كبير من مواطن الشّغل .
– حث المؤسّسات على التوجّه نحو المشاريع ذات التّكنولوجيا الحديثة للرّفع من قدرتها التّنافسية وغزو الأسواق الخارجيّة
– إسناد امتيازات خصوصيّة للشّركات الأجنبيّة الّتي تقوم بتحويل التّكنولوجيا المتطوّرة لبلادنا وحثّها على ربط علاقات شراكة مع المؤسّسات التّونسيّة حتّي يتسنّى لها استيعابها في مرحلة لاحقة .
– إعطاء الأولويّة المطلقة للبحوث التّنمويّة حتّى تصبح المؤسّسة التونسيّة قادرة على منافسة مثيلاتها بالبلدان المتقدّمة .
– التّركيز أكثر ما يمكن على قطاع الخدمات وتوجيهه نحو كلّ الأنشطة الخدماتيّة وذلك لقدرته الكبيرة على خلق مواطن الشّغل دون أن تكون كلفة الاستثمار عائقا لبعث المشاريع في مجال الخدمات .
شادية الهلالي