تونس- أفريكان مانجر
يطالب نشطاء بشدة هذه الأيام وزير الداخلية الحالي لطفي بن جدو للتدخل والكشف عن قتلة شهداء الثورة التونسية بعد صدور أحكام قضائية نهاية الأسبوع برأت بمقتضاها المحكمة العسكرية أمنيين متهمين بقتل مواطنين في القصرين، كما سيتم الافراج عن وزير الداخلية الأسبق رفيق الحاج قاسم ومدير الأمن الرئاسي علي السرياطي لبطلان الاتهامات ضدهم.
وتأتي هذه المطالبة القديمة المتجدّدة، على خلفية شغل لطفي بن جدو سابقا خطة قاضي تحقيق في القصرين، التي تصادف أن تكون مسقط رأسه، ومكلف بالتحري في ملف “القناصة” الذين قتلوا نحو 70 مواطنا في القصرين وتالة وأسقطوا قرابة 850 جريحا، قبل تعيينه وزيرا للداخلية.
ويتداول حاليا على مواقع صفحات الفيسبوك فيديو لتصريحات سابقة كان أدلى بها لطفي بن جدو لموقع التدوين نواة عندما كان قاضي تحقيق في القصرين وقبل تعيينه وزيرا للداخلية في حكومة علي العريض، يؤكد فيه بشدة وبثقة وجود قناصة بشهادة أكثر من 200 مواطن من الجهة استمع إليهم بنفسه، مشددا بالقول إن القضاة أنفسهم في القصرين ومن بينهم هو، شاهدوا القناصة على بنايات عالية.
شهادة تاريخية.. وحماس
ويظهر بن جدو في هذا التسجيل وهو يتكلم بحماس عن الملف الذي يمسكه ويكشف عن تفاصيل مهمة، مؤكدا بالقول إنه وجّه خطابا للمدير العام للتنسيق الجهوي بوزارة الداخلية في 15 مارس 2012 طالبه فيه بمده بأسماء أفواج وفرق النظام العام الذين قدموا في مهمة إبان الثورة التونسية إلى حي النور والزهور في ولاية القصرين وإلى مدينة تالة وتواريخ مهماتهم، إلا انه لم يتحصل على أي رد من وزارة الداخلية.
وأكد في ذات السياق أن من قتلت الشهيد محمد الخضراوي مثلا هي امرأة قناصة وكانت تصرخ فرحة عندما قتلته خلف مسجد حي الزهور بالقصرين وتهلل “ايل ليا” (ما معناه تم تسديد الهدف بنجاح) ورفعت قبعتها ولوحت بشعرها من شدة فرحتها بتصويبها القاتل.
وواصل بن جدو قائلا: ” لقد تمكن متساكنو الحي من ضربها بحجر “الكنتول” إلا أن مرافقيها سارعوا بنقلها إلى إحدى المصحات، معلقا بالقول إنه حاول التحري حول المصحة التي عولجت فيها إلا أنه عجز عن الحصول عن أية معلومة بشأنها.
تكتّم رغم الأدلة
ويتساءل مراقبون حول سبب تكتّم السلطات القضائية وأيضا التنفيذية (الحكومة) عن هويّة هذه المرأة خاصة وأن القناصة من النساء في تونس لا يتجاوز عددهن المرأتين! وفق شهادة بن جدو في نفس الفيديو الذي قال فيه إنه من السهل التعرّف على هوية هذه المرأة كما أنه من السهل أيضا معرفة هوية المسؤولين الأمنيين الذي شاركوا في القتل خاصة وأن من بينهم من يحمل شارة بثلاثة نجوم وما يعني رتبة نقيب علما وأنه يوجد في كل فوج أمني نقيب واحد لا غير، وفق توضيح بن جدو، وما يؤكد على أن عملية التعرّف على هوية القتلة سهلة جدا لو تم مده بأسماء الأفواج والفرق الأمنية التي تحولت إبّان الثورة إلى ولاية القصرين الحدودية والمتاخمة للجزائر.
نفس مسلك الداخلية
في المقابل، ومن المفارقات أيضا، وبعد تعيينه وزيرا للداخلية سلك بن جدو المعروف بمصداقيته ونزاهته عندما كان قاضيا، نفس الطريق الذي سلكته معه وزارة الداخلية بعد نزعه رداء القاضي.
وحسب ذات التصريحات التي أدلى بها والتي تعتبر شهادة تاريخية تحسب له رغم صمته المطبق حاليا، اعتبر بن جدو قناصة ولاية القصرين غير محترفي مهنة قنص الأشخاص على غرار القناصة الذين يقع تدريبهم في الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا بحسب تعريفه.
ويقول بن جدو في هذا الصدد إن هدف القناصة إبان الثورة التونسية كان لتفريق التجمعات وليس لاستهداف شخص بعينه.
يجدر التذكير في هذا الصدد أنه تم إبان الثورة القبض على أجانب قيل وقتها إنهم يحملون الجنسية الأوكرانية جاؤوا لتونس بهدف القيام بسياحة الصيد! وما اعتبره مراقبون وقتها “ضحكا على الذقون” من طرف الأطراف التي أشرفت على تسيير البلاد آنذاك وعلى رأسها الجهاز العسكري بقيادة الجنرال المستقيل رشيد عمار.
منصب حكومي لإسكات القاضي بن جدو
ولا يستبعد مراقبون أن يكون السبب الرئيس وراء تعيين لطفي بن جدو وزيرا للداخلية في حكومة علي العريض في مارس 2013 واستمراره في ذات المنصب في حكومة مهدي جمعة هو لضمان صمته وإخماد الحماس الذي أبداه عندما كان قاضيا مكلفا بالتحقيق في ملف الشهداء.
في هذه الأثناء يمكن التساؤل عما إذا حصل وزير الداخلية لطفي بن جدو في نهاية المطاف على إجابة شافية عن مراسلته عندما كان قاضيا بشأن قتلة 70 مواطنا تونسيا من ولاية القصرين، لينضم في المقابل إلى فريق “الشياطين الخرسان” وليبقى الحوار بين الضحايا والسلطة مجرد “حوار طرشان”.
عائشة بن محمود