تونس-أفريكان مانجر
الفساد في المستشفيات العموميّة أصبح ظاهرة خطيرة، يشاهدها المواطن ويشارك فيها عن طواعية أو رغما عنه لغياب البديل، الشّيء الذي تسبّب في تراجع الخدمات في المستشفيات العموميّة بنسبة تناهز 80 ٪، مع توقّعات ببلوغها 100 ٪ في غضون بعض الأشهر على حدّ تعبير مصدر مسؤول بوزارة الصّحّة رفض الكشف عن اسمه، وهو ما ينبئ على حدّ تعبيره بكارثة على الصّعيد الصّحّي في تونس، إن لم يتمّ البتّ بشكل سريع وعاجل في جملة المشاكل التّي يعاني منها القطاع.
وفي هذا الإطار، قال حسن مازني كاتب عامّ نقابة معهد الأعصاب في تصريح لـ “أفريكان مانجر” إنّ المؤسّسات العموميّة للصحّة أصبحت سوقا للمرضى وليست مكانا للتّداوي، فيها عرض للخدمات الطبيّة لجلب أكبر عدد ممكن من المرضى عبر “منظومة” “النّشاط الخاصّ التّكميلي “APC”(وهي منظومة تمكّن الطّبيب من تشخيص عدد من المرضى بمقابل) ، مضيفا أنّ هذه “المنظومة” خلقت مافيا “طبيّة”، حيث سمح قبل 14 جانفي لعدد من الأطبّاء الجامعيين للإنخراط ضمن “النّشاط الخاصّ التّكميلي”، لكن خلال الثّلاث سنوات الفارطة وخصوصا في فترة عبد اللّطيف المكّي الوزير السّابق وقع فتح المجال في هذا النّشاط ليشمل حوالي 300 طبيب جامعي، الى جانب جميع أطبّاء الإختصاص الذين يعملون في المناطق الدّاخليّة، على حدّ تعبيره.
شبكات من السّماسرة في المستشفيات العموميّة
وأوضح نفس المصدر أنّ “النّشاط الخاصّ التّكميلي” خلق شبكات من السّماسرة (عملة) تقوم بجلب المرضى المستشفى وذلك عبر توزيع بطاقات خاصّة بالأطبّاء، تكتب فيها الحروف الأولى من أسمائهم وألقابهم، يستظهر بها المريض عند الكشف لدى الطّبيب، وفي المقابل يتحصّل هؤلاء الأعوان على نسبة معيّنة متّفق عليها مسبقا، مبرزا أنّ هذه العمليّات غير المشروعة انجرّ عنها تأجيل مواعيد المرضى الاخرين، بعد إعطاء الأولويّة لمرضى “النّشاط الخاصّ التّكميلي”، حتّى أنّ كثير من الحالات تتوفّى أو تتعكّر صحّتها على حدّ تعبيره بسبب عدم التّعجيل في معالجتهم، كما أنّ عدد الأسرّة أصبح محدودا، إذ يتمّ حجز الأسرّة مسبقا لمرضى “النّشاط الخاصّ التّكميلي”، والحال أنّه من حقّ المرضى الاخرين.
من جهة أخرى ، بيّن محدّثنا أنّ هذا النّشاط تسبّب أيضا في عدم تأطير الأطبّاء الدّاخليين والمقيمين بشكل جيّد لانشغال أطبّاء الإختصاص في مرضاهم الاخرين بشكل يومي، مع الإشارة الى أنّ الأطبّاء المنخرطين في منظومة “النّشاط الخاصّ التّكميلي “APC” يقومون يوميّا (بعد الظّهر إلى غاية العاشرة ليلا أحيانا) بالكشف عن مرضاهم رغم أنّ القانون يخوّل لهم “ممارسة هذا النّشاط الخاصّ التّكميلي في حدود حصّتين بعد الظّهر في الأسبوع… بداية من السّاعة الثّالثة بعد الظّهر” ويستغلّون أثناء ذلك الهاتف والكهرباء والمكتب والتّجهيزات والأدوية، دون دفع أيّ أداءات ودون تمكين المستشفيات من النّسبة المخصّصة لها والمقدّرة بالثّلث وهي نسبة في كلّ الأحوال لا تغطّي تكلفة الهاتف والكهرباء التي تضاعفت فواتيرها في المستشفيات العموميّة بنسبة 10 مرّات بسبب اعتماد هذه المنظومة، وفق ذات المصدر.
“النّشاط الخاصّ التّكميلي” قرار فاسد
وفي سياق متّصل، أبرز حسن المازني أنّ منظومة “النّشاط الخاصّ التّكميلي” ساهمت في تقصير الأطبّاء في عملهم، الشّيء الذي تسبّب في انتشار بعض الأمراض الخطيرة على غرار مرض السّلّ المعدي (3 الاف حالة) الذي تمّ القضاء عليها في تونس منذ عشرات السّنين، علما وأنّ عدد كبير من الأطبّاء غير المرخّص لهم يعملون بـ “النّشاط الخاصّ التّكميلي” “خلسة ” كامل أيّام الأسبوع، الشّيء الذي يجعلهم يضاعفون تجاوزاتهم، المتعلّقة بانخراطهم في منظومة غير مرخّص لهم فيها والإستفادة بأموال ليست من حقّهم واهدار المال العامّ باستغلال الكهرباء والهاتف والمحلّ… لمصالحهم الشخصيّة.
وبالبحث عن سبب هذه النّقائص في المستشفيات العموميّة، رغم أنّ الدّولة توفّر سنويّا اعتمادات هامّة لوزارة الصّحّة، تبيّن لنا من خلال مصادر موثوقة بوزارة الصّحّة أنّ السّبب الأساسي وراء هذا النّقص في الأدوية والتّجهيزات والخدمات هو “النّشاط الخاصّ التّكميلي “APC” الذي يقوم به أكثر من 1000 طبيب يعمل في القطاع العمومي في كامل تراب الجمهوريّة والذي بمقتضاه يمكن للطّبيب “إجراء العيادات بمحلاّت المؤسّسة الصّحيّة العموميّة التّي ينتمون إليها أو عند الاقتضاء ، في هيكل صحّي عمومي أخر يتمّ تحديده ضمن قرار التّرخيص وذلك في المحلّ المخصّص من قبل الإدارة للعيادات ويمنع إجراء هذه العيادات بالمكاتب الفرديّة للأطبّاء”.
فهل يقف هذا النّزيف من التّجاوزات ؟ أم أنّ أعمال السّرقة والنّهب والتّهرّب من الضّرائب (العمل بهذه المنظومة لا يستوجب من الأطبّاء دفع معاليم الضّرائب) ستتواصل ؟ أسئلة عدّة لا تطلب جرأة من السلطة التنفيذية لمعالجتها.